أيها الإخوة المواطنون:
لقد قصدت أن أحضر عيد العمال معكم هنا فى شبرا الخيمة.. فى المنطقة الصناعية الكبرى، التى تمثل أبو زعبل قطعة منها، وامتداداً عضوياً لها، أردت ذلك؛ لأنه ما من شىء يشرح الحقيقة فيما نمثله، وفيما ندافع عنه وفيما نقاتل من أجله، كذلك المثل الأعلى الذى نستطيع أن نستلهمه من هنا، ونتحقق من صحته وصدقه على الطبيعة، فى هذه البقعة المكافحة من أرض مصر الخالدة.
هنا أيها الإخوة.. فما حدث فى أبو زعبل يتجسد الصراع بيننا وبين العدو، تتجسد حقائق الصراع، وتتجسد معانى الصراع، وتتجسد أهداف الصراع.
بجوارنا فى أبو زعبل تقوم الشركة الأهلية للصناعات المعدنية بأبو زعبل، تكلف هذا المصنع حوالى ٥ مليون جنيه؛ دفعها الشعب المصرى الذى عاش طول عمره يبنى للسلام وللحضارة وللحرية، يعمل فى هذا المصنع ٢٠٠٠ عامل، أجورهم فى السنة حوالى مليون جنيه، يرعون أو يعولون ٢٠٠٠ أسرة طيبة عاملة مكافحة، مصنع ناجح يتصل العمل فيه ثلاث ورديات، تستغرق كل الـ ٢٤ ساعة فى اليوم.. ينتج هذا المصنع ٧٥ ألف طن من حديد التسليح الذى يستخدم فى البناء؛ وبالتالى فإن المصنع كله يكاد أن يكون رمزاً حياً لأمل التشييد والتعمير، هذا هو المصنع الذى بنيناه، وعملنا فيه، ووجهنا طاقته إلى خدمة الحياة. فلننتقل - أيها الإخوة - إلى ما حدث لهذا المصنع صباح يوم ١٢ فبراير الماضى.. فجأة، وعلى ارتفاع منخفض، تسللت طائرات "الفانتوم" التى أرسلتها أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - لإسرائيل سنة ٦٩؛ تسللت وتوجهت إلى هذا المصنع بنيرانها، بالصواريخ وقنابل النابالم والقنابل الموقوتة زمنياً، وبعد دقائق - أيها الإخوة - كان أحد العنابر الرئيسية فى هذا المصنع صورة للدمار والموت، وكانت الخسارة تقدر بـ ٣٥٠ ألف جنيه، وكانت الخسارة ٨٨ عاملاً شهيداً، ١٥٠ عاملاً جريحاً، الآلات التى كانت فى هذا العنبر تحطمت، ومزقتها الانفجارات، وكانت الجروح - جروح الجرحى - جروح محرقة، أحدثتها نيران قنابل النابالم، التى أمدت بها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، وكانت القنابل الموقوتة - القنابل الزمنية - مدفونة فى الأرض، وهذه القنابل أمدت بها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، ولم يكن لها من هدف إلا أن تكون مصيدة موت ودمار أخرى للقادمين من فرق الإنقاذ والإسعاف.
أيها الإخوة:
هذا هو العدو الذى يقابلنا، والذى يتحتم علينا ولا مفر أمامنا من أن نقاتله. المصنع وما يمثله من طاقة البناء هو ما يمثله نحن، ما تمثلونه أنتم؛ الشعب الطيب الذى عمل دائماً من أجل السلام ومن أجل البناء، والصواريخ والنابالم والقنابل الزمنية الموقوتة هو ما يمثله العدو، ومن هم وراء العدو، ومن يمدون العدو بأسلحة الدمار وقنابل الدمار، هذا هو موقفنا، وذلك هو موقفه.
أيها الإخوة:
نحن نبنى طاقة الحياة والأمل والحرية، والعدو يفجر القوى المدمرة للقتل والحريق والخراب.
أيها الإخوة:
هذه هى معركتنا مع عدونا، ومع من هم وراء عدونا.
أيها الإخوة:
هذه هى حقيقة الصراع بيننا وبين العدو، وليس فى ذلك جديد على صراع أمتنا مع العدو، ليس جديداً طرأ بعد معارك ٥ يونيو حتى نقول إن هذه هى الحرب بمصاعبها وويلاتها، ولكنها شخصية العدو، وطابع العدو، ومنطق العدو، والقانون الذى يحكم كل تصرفات العدو قبل الغارة على مصنع أبو زعبل بعشرات السنين، وسوف يستمر بعدها حتى نتمكن - بعون الله وإذنه - من أن نحقق أمل السلام العربى قوياً ودائماً.. مضموناً ومأموناً؛ لنستطيع أن نواصل البناء للحياة وللأمل وللحرية؛ بغير تهديد الصواريخ والنابالم والقنابل الموقوتة.
منذ وقت طويل - أيها الإخوة - كان ذلك كله شخصية وطابع ومنطق العدو، والقانون الذى يحكم تصرفاته؛ من قبل سنة ٤٨ وفى سنة ٤٨، من مذبحة دير ياسين وقبل مذبحة دير ياسين؛ كلنا نعلم فى مذبحة ديرياسين قتلوا الأطفال، وبقروا بطون الحوامل، وقطعوا رءوس الرجال؛ لكى يبثوا الذعر فى قلوب الشعب الفلسطينى؛ حتى يخرج هذا الشعب من أرضه، ولكى يهرب من بيوته ومزارعه طلباً للنجاة، حتى تخلو الأرض والبيوت للذين لا تربطهم بفلسطين صلة إلا صلة الخرافة المدعاة، تبحث عما كان لفترة قصيرة من الزمان قبل أكثر من ٢٠٠٠ سنة، وتنسى ما كان حقيقة واقعة لآلاف السنين فى فلسطين.
كنا نحن العرب نريد أرضنا، ونريد السلام عليها، والحرية من حولها، وكانوا يريدون أرضنا، ولا سبيل لهم إلى ذلك حتى يستولوا على الأرض إلا القتل، ولم يكونوا يخفون رغبتهم فى القتل؛ حتى تخلو الأرض الطيبة الطاهرة لمطامعهم وأحقادهم.
أيها الإخوة:
إن زعماء إسرائيل لم يخفوا ذلك الكلام، اللى أنا باقوله دلوقت مش باقوله من عندى، مش باقوله استنتاج .. مش باقوله عبارة عن نقط متفرقة، ولكن قادة إسرائيل وزعماء إسرائيل قالوا هذا الكلام فى سنة ٤٨، وقبل سنة ٤٨، وبعد سنة ٤٨، وفى سنة ٦٧ وبعد سنة ٦٧؛ أكتر من واحد من زعماء إسرائيل وقف وقال علناً قدام الرأى العام العالمى كله: نحن نريد أرض العرب.. فكيف نأخذ أرض العرب من العرب؟ هل نقنع العرب بأنهم يتركوا لنا أرضهم بالمنطق والحجة؟ ذلك لا يصلح، والسبيل الوحيد إذن هو أن نقتل، وأن نثير الرعب والخوف، وليس فى ذلك ما ينبغى أن نخجل منه أو نداريه تحت الشعور بوخز الضمير، هذا هو طريقنا - طريق زعماء إسرائيل - إلى ما نريده إذا كنا نريده، ونحن نريده.
هذه - أيها الإخوة - بالحرف الواحد أقوال أكثر من زعيم من زعماء إسرائيل؛ سواء من السياسيين أو من العسكريين.
"مناحم بيجين" زعيم أحد الأحزاب قال هذا الكلام فى إسرائيل، "موسى ديان" قال هذا الكلام فى إسرائيل، "وايزمان" أخيراً قال هذا الكلام فى إسرائيل؛ قال: احنا يجب علينا أن نخجل حينما يقال إن هذه الأرض محتلة، ويجب علينا ألا نقبل أن نقول إن هذه الأرض العربية - يقصد بهذا الضفة الغربية وسينا والجولان، وكل الأرض التى احتلتها إسرائيل فى سنة ٦٧ - هى أرض محتلة! هذه ليست أرضاً محتلة؛ لأن هذه الأرض هى أرضنا، ويجب ألا نشعر بتوبيخ الضمير حينما نقول هذا.
وقال أكثر من هذا: إن إسرائيل هى التى حددها "هيرتزل" فى مشروعه؛ أى إسرائيل بين النيل والفرات. هذا الكلام ليس بالكلام الجديد، ولكنه كلام قديم قيل فى مناسبات، وهذه الأقوال لم تقتصر على الأقوال بل اقتصرت على الأفعال؛ فى سنة ٤٨ كانت دير ياسين، فى سنة ٥٦ كانت كفر قاسم، والمذابح التى حصلت فى كفر قاسم، وكانت مذابح خان يونس، والمذابح التى حدثت فى قطاع غزة، سنة ٦٧ المذابح التى حدثت فى قطاع غزة، والمذابح التى حدثت أيضاً فى خان يونس، والمذابح التى حصلت فى جميع المناطق المحتلة من الأرض العربية.
أيها الإخوة:
هذا هو الدرس الذى يجب علينا أن نتحمله، والذى يجب علينا ألا ننساه، منطق العدو.. أقوال العدو.. أفعال العدو، وسوف نواصل معاً الدرس الذى يعطيه لنا دائماً تطور الصراع؛ لأننا - أيها الإخوة - اليوم، وأكثر من أى يوم آخر، يجب أن نكون على بينة وعلى نور؛ فذلك وحده سوف يثبت إيمانناً، وسوف يعطينا اليقين الذى يشد عزمنا، ويقوى إرادتنا، ويستحق تضحياتنا، قد كانت كثيرة، وسوف تكون فى المستقبل أكثر؛ التضحيات التى مرت على طوال السنين الماضية، قبل سنة ٤٨ فى فلسطين، وبعد سنة ٤٨ فى فلسطين، وهنا فى مصر، وعلى الجبهة، وفى كل مكان..
سنة ٤٨ من الذى بدأ الهجوم؟ كانت بريطانيا تحتل فلسطين، وكانت بريطانيا هى الدولة المنتدبة، وسعت بريطانيا، وسعت أمريكا، وسعت الدول الاستعمارية كلها إلى الحصول على قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وصدر القرار فى سنة ٤٧، وفى سنة ٤٨ - وقبل ١٥ مايو - قبل أن تخرج القوات البريطانية من فلسطين، وقبل أن تنتهى مسئولية بريطانيا كدولة عينتها الأمم المتحدة للانتداب على فلسطين؛ قامت العصابات الإسرائيلية التى كانت مجهزة فى هذا الوقت بالسلاح والعتاد، والتى كانت تحصن مستعمراتها تحت نظر الإنجليز وبموافقة الإنجليز.. قامت بالاعتداء على العرب وطردهم من منازلهم، بل أكثر من هذا قامت هذه العصابات الإسرائيلية بمهاجمة المدن التى كانت تدخل ضمن القطاع العربى فى مشروع التقسيم الذى أقرته الأمم المتحدة، قبل ١٥ مايو سنة ١٩٤٨.. قامت العصابات الإسرائيلية بالهجوم على يافا وعلى عكا، وعلى مناطق أخرى من المناطق التى كانت تدخل ضمن الجزء العربى بعد تقسيم فلسطين، وقامت بعمليات إرهاب كبيرة؛ وذلك بمهاجمة المدن ومهاجمة القرى التى يسكنها العرب بمدافع الهاون، وبالمدافع الرشاشة؛ حتى يثيروا الرعب والذعر فى نفوس الفلسطينيين فيتركوا بيوتهم وأرضهم ويتركوا بلادهم، وقد خرج الكثير من أهل فلسطين نتيجة هذه الغارات الوحشية التى كانت مخططة ومنظمة من قادة إسرائيل وزعماء إسرائيل، وأصبحوا بعد هذا لاجئين.
وفى هذه الأيام، وفى سنة ٤٨ أيضاً، هاجموا القدس واحتلوا أجزاء القدس، أو لم تكن القدس فى هذه الأيام تدخل ضمن الجزء الذى قررته الأمم المتحدة لإسرائيل فى سنة ٤٧؟!
إذن من الذى بدأ الهجوم فى سنة ٤٨؟
لقد بدأت العصابات الإسرائيلية الهجوم على الشعب الفلسطينى، وتدخلت الدول العربية لإنقاذ الشعب الفلسطينى من عدوان العصابات الإسرائيلية، ولكن إسرائيل اليوم تغالط العالم كله وتقول: إن الدول العربية هى التى بدأت العدوان سنة ٤٨، وتقول إن الدول العربية هى التى طلبت من شعب فلسطين أن يترك فلسطين ويخرج ليكون شعباً من اللاجئين، وتحاول بكل الوسائل، وقد استطاعت بمساعدة قوى الاستعمار، وبمساعدة الصحافة التى تسيطر عليها الصهيونية العالمية، وبمساعدة الصحافة التى تسيطر عليها الدول الاستعمارية؛ أن تجعل جزءاً كبيراً من الرأى العام العالمى يصدق ما تقوله إسرائيل.. استطاعت بأموالها وبنفوذها وبإفسادها وبكل وسيلة من وسائلها أن تفهم الناس، بل تقنع الرأى العام العالمى أو جزءاً كبيراً منه أن إسرائيل كانت ضحية للعدوان العربى، واستطاعت أن تمحو فى هذه الأيام كل ما قامت به العصابات الإسرائيلية قبل ٤٨، وفى سنة ٤٨.
وأنا أقول هنا أيضاً وأذكر.. أذكر الجميع أنه بعد الهدنة.. بعد الهدنة وبعد انتهاء الحرب، احتلت إسرائيل منطقة إيلات، وكانت فى هذا الوقت تسمى منطقة أم الرشراش بعد اتفاقية الهدنة فى سنة ٤٩.
هذا هو منطق العدو، وهذا هو أسلوب العدو.. وفعلاً.. وحقاً لم تكن إسرائيل لتستطيع أن تفعل أى شىء من هذه الأشياء، وماكانتش تقدر تعمل أى عمل إلا بالمساعدة الوثيقة والمساعدة الغير مشروطة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن حكام الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد سنة ٤٩ وبعد اتفاقية الهدنة ماذا حدث؟
كانت هناك لجنة من الأمم المتحدة تسمى لجنة المصالحة؛ تتكون من أمريكا وتركيا وفرنسا كأعضاء، وكانت هذه اللجنة موكولاً إليها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التى صدرت فى سنة ٤٧ و٤٨ و٤٩، ولكن هذه اللجنة اجتمعت مرة واحدة بس؛ اجتمعت فى لوزان وحضرت إسرائيل وحضر العرب، ولكن إسرائيل رفضت أمام هذه اللجنة أن تنفذ أى قرار من قرارات الأمم المتحدة.
واستطاعت إسرائيل أن تنفذ كلمتها؛ لأنها انسحبت من الاجتماعات، ومنذ هذا اليوم هذه اللجنة؛ التى سميت لجنة التوفيق، لم تجتمع أبداً، ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية التى تمثل العضو الأساسى فى هذه اللجنة تريد لحقوق شعب فلسطين؛ التى نصت عليها قرارات الأمم المتحدة، أن تنفذ لكانت هذه اللجنة قد اجتمعت مرات ومرات طوال العشرين عاماً الماضية، ولكن أمريكا لم تكن تريد لحقوق شعب فلسطين أن تتحقق، ولكنها كانت تريد دائماً لإسرائيل أن تثبت وجودها، وأن تتوسع على حساب الأمة العربية، وعلى حساب شعب فلسطين، وعلى هذا لم تجتمع هذه اللجنة أبداً، ولكنها موجودة فقط فى سجلات الأمم المتحدة.
وعلينا أن نتذكر أيضاً ونحن نتكلم عن منطق العدو، وعن أسلوب العدو، وعن القوى التى تساند هذا العدو الذى يحاربنا ويحتل جزءاً من أراضينا؛ يجب أن نتذكر كيف استطاعت إسرائيل أن تستولى على المناطق المنزوعة السلاح التى تقرر أن تكون منزوعة السلاح فى اتفاقيات الهدنة سنة ١٩٤٩؛ وافقت إسرائيل ووافقت الدول العربية على بعض مناطق منزوعة السلاح فى سنة ٤٩، وكانت هذه الاتفاقية بموافقة وبوجود الأمم المتحدة، ولكن بعد ٤٩ وحتى سنة ١٩٥٥ استمرت إسرائيل تحتل فى هذه المناطق وتحولها من مناطق منزوعة السلاح إلى مناطق فيها قوات عسكرية؛ من أجل تهديد الدول العربية المحيطة بإسرائيل.
وإذا انتقلنا بعد هذا إلى سنة ١٩٥٦، تقول إسرائيل.. ويقول قادة إسرائيل إننا قمنا باستفزازهم سنة ٦٧ حينما أغلقنا خليج العقبة.. فلنترك مؤقتاً سنة ١٩٦٧، ولنقف قليلاً عند سنة ١٩٥٦.
قبل سنة ١٩٥٦ وبعد قيام الثورة، كنا قد جمدنا اعتمادات القوات المسلحة، وكان همنا بعد قيام الثورة أن نبنى بلدنا، وأن نحول بلدنا من بلد متأخر أو بلد متخلف إلى دولة متقدمة فى الصناعة وفى الزراعة، كنا نريد أن نكرس كل شىء من أجل البناء، كنا نريد أن نوجد عملاً لكل فرد من أبناء هذا الوطن.
وعلى هذا الأساس سرنا نعمل لنصفى الاستعمار البريطانى، ولنبنى الوطن الحر العزيز الكريم الذى نريد، ولكنا فجأة فى سنة ٥٥ فوجئنا بغارة إسرائيلية على مدينة غزة - فى فبراير سنة ١٩٥٥ - وكان الغرض من هذه الغارة أن تفرض علينا إسرائيل التسوية، وكان غرض هذه الغارة، والغارات التى تلت هذه الغارة.. نذكر جميعاً بعد سنة ٥٥، أو من أول فبراير سنة ١٩٥٥، بدأت الغارة على غزة، ثم استمرت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وعلى القوات المصرية المرابطة على الحدود. وكانت إسرائيل تعلن استراتيجيتها واضحة، ولم تكن تذكر أنها تريد أن تفرض التسوية التى تريدها، ومعنى فرض التسوية وفرض السلام، أو فرض التسوية بالسلاح؛ أى أن تفرض إسرائيل آراءها وما تريد على الأمة العربية جميعاً.
بعد هذا أردنا أن نحصل على السلاح من بريطانيا، وأردنا أن نحصل على السلاح من أمريكا، ولكن لم ترض بريطانيا أن تبيعنا السلاح الذى أردناه، ورفضت أمريكا - رغم وعودها فى هذه الأيام - أن تمدنا بأى نوع من أنواع السلاح الذى طلبناه؛ طلبنا دبابات؛ أعداد قليلة، وطلبنا طيارات؛ أعداد قليلة.. ولكن لم نتمكن فى سنة ٥٥، وكانت إسرائيل فى هذه الأيام تحصل على السلاح أساساً من بريطانيا ومن فرنسا، وكانت النتيجة الطبيعية لندافع عن نفسنا أن نعقد صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا فى سنة ١٩٥٥، وكان لابد لنا أن نقوى قواتنا المسلحة من أجل الدفاع عن بلادنا، وكان من الواضح فى سنة ٥٥ أن إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل يعملون على التخطيط وعلى الترتيب لكسر القوة العربية.
من أقوال زعماء إسرائيل، ومن مذكرات زعماء إسرائيل التى نشرت بعد ١٩٥٧؛ كانت إسرائيل تخطط دائماً للحرب الوقائية، وكانت خطة إسرائيل دائماً ألا تمكن الأمة العربية من أن تقوى وتصل إلى الدرجة التى تمكنها من أن تحافظ على إرادتها.
قال "ديان" فى مذكراته بعد حرب ٥٦: إنهم قرروا فى سنة ٥٥ أن يهاجمونا مهما كان الأمر، ولكن كانت هناك مشاكل كثيرة، وكانت هناك مشاكل صعبة، وكانوا يريدون أن يعتمدوا على إحدى الدول الكبرى؛ حتى تساندهم، وتمدهم بالسلاح حينما يقومون بهذا الهجوم، وكانوا يبحثون من الدول الكبرى تساعدهم وتساندهم. وبدءوا فعلاً مع فرنسا فى هذا الوقت، وكانت فرنسا تشعر أنها لابد أن تقوم بعمل ضدنا هنا فى مصر؛ لأن مصر فى هذه الأيام كانت تساعد الثورة الجزائرية، وكان الاستعمار يلفظ أنفاسه الأخيرة فى المنطقة، وأحس الاستعمار أن الوقت قد جاء لتخدمه الأداة التى كان قد صنعها؛ لتخدمه إسرائيل.
وفى سنة ٥٦ كانت هناك أحداث سياسية كبيرة؛ كنا نريد أن نبنى .. نبنى السد العالى حتى نحصل على فائض من المياه لنزيد الرقعة المزروعة فى بلادنا، كنا نريد أن نبنى السد العالى حتى نحصل على ١٠ مليارات كيلوات/ساعة من الكهربا؛ لنتمكن من تصنيع بلادنا، ونحول هذا الوطن من بلد متخلف إلى بلد متقدم، وقالت أمريكا وبريطانيا وكلنا نعلم - فى هذه الأيام - أنهم على استعداد لتمويل السد العالى، ولكن فجأة أعلنت أمريكا، كما أعلنت بريطانيا، كما أعلن البنك الدولى؛ سحب تمويل السد العالى.
وهنا بدأت الأحداث السياسية تتوالى؛ ففى سنة ٥٦ كان قرار تأميم قناة السويس من أجل تمويل السد العالى، ومن أجل تمويل بناء الصناعات.
وبعد هذا - أيها الإخوة - بدأ التآمر.. بدأ التآمر سنة ١٩٥٦.. بدأ التآمر؛ إنجلترا كان عندها ما يبرر العمل ضدنا.. إنجلترا قد تقول وتبرر للعالم أنها تدخلت فى سنة ٥٦، وقامت بالعدوان على مصر؛ لأن مصر أممت قناة السويس، وكانت لإنجلترا مصالح كبيرة فى قناة السويس، وكانت إنجلترا تملك الجزء الأكبر من أسهم قناة السويس، وفرنسا دخلت، وقد تقول فرنسا وتبرر أنها دخلت الحرب واعتدت علينا فى سنة ٥٦ بسبب مساندتنا لحرب التحرير الجزائرية.
أما إسرائيل فبماذا تبرر دخولها فى الحرب سنة ١٩٥٦؟
لقد كشفت كل هذه القصص الآن.. مافيش حاجة بقت سر، كل حاجة مكتوبة دلوقت فى الكتب، اتقال إن تمت اجتماعات سرية بين فرنسا وبين إسرائيل، حضر هذه الاجتماعات "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل، وحضر هذه الاجتماعات مندوب عن الحكومة البريطانية، وإن "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل طلب من فرنسا فى هذه الأيام أن تعمل له مظلة جوية فوق إسرائيل أثناء العدوان الإسرائيلى على مصر؛ حتى تحمى إسرائيل من أى عمل مضاد من القوات الجوية المصرية، وإن فرنسا تعهدت بأن تعطيه قوات جوية يدافع بها عن إسرائيل، وتعطيه أيضاً قطعاً بحرية لتدافع عن الشواطئ الإسرائيلية.
دخلت إسرائيل.. دخول إسرائيل فى هذه الحرب ما الذى كان يبرره؟ ليه دخلت إسرائيل هذه الحرب؟ إيه اللى حصل سنة ٥٦؟
لما دخلت إسرائيل الحرب أرسلنا الجيش إلى سينا فى سنة ١٩٥٦ لمواجهة العدوان، ووقفت القوات الإسرائيلية على الحدود أمام المقاومة فى أبوعجيلة والمناطق الأخرى، ولكن بعد ٣ أيام حينما بدأ العدوان الإنجليزى - الفرنسى على بلادنا، وبدأت الغارات الجوية؛ قررنا سحب القوات من سيناء، وسحبنا القوات من سيناء إلى غرب قنال السويس.
حينما انسحبنا من سيناء لنواجه القوات الإنجليزية والفرنسية التى بدأت العدوان علينا، وحينما دخل الجيش الإسرائيلى إلى سيناء - هذه البقعة الطاهرة من أرض وطننا - كان أول ما فعله "بن جوريون" - رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت هو إعلان ضم شبه جزيرة سيناء إلى إسرائيل، ولكن لم يتمكن "بن جوريون" أن يحافظ على هذا القرار، لقد خرجوا وانسحبوا من الأرض المحتلة، واضطروا للخروج، ولكنهم فى هذه الأيام كشفوا عن نواياهم؛ خرجوا لأن الحملة البريطانية - الفرنسية عجزت عن قهر إرادة الشعب المصرى، ولأن الإنذار السوفيتى خلق موقفاً دولياً خطيراً، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن قد استشيرت فى العملية، ووجدت نفسها على غير استعداد أمام مسئوليات قد تكون وخيمة العواقب.
خرجت إسرائيل وانسحبت إسرائيل فى سنة ٥٧، ولكن إسرائيل وقادة إسرائيل من يومها كانوا يستعدون لمعركة أخرى. من أقوال زعماء إسرائيل وقادة إسرائيل، ومذكرات إسرائيل المنشورة، والتى صدرت بعد سنة ٦٧؛ قالت: إنهم كانوا يريدون هذه المعركة فى المدة ما بين ٦٦ و٧٠، ليه؟ كانوا يريدون هذه المعركة قبل أن تستكمل مصر بناء قواتها المسلحة، قبل أن تدخل مصر فى مرحلة الانطلاق، قبل أن يتم بناء السد العالى، قبل أن تتم خطط التصنيع، قبل أن تتم خطط تطوير الصناعة، واستصلاح الأراضى الجديدة.. كانت إسرائيل تريد المعركة قبل أن نكون قد أتممنا ما نريد من أجل تقوية بنائنا الداخلى، وبنائنا الصناعى، وبنائنا العسكرى.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول إن ٥ يونيو والهجوم الإسرائيلى فى ٥ يونيو سنة ١٩٦٧ كان مؤامرة مرتبة، ماكانتش المسألة مسألة خليج العقبة، ولكن كان الهدف الأصلى الأساسى هو الهدف الذى لا يمنحه للعدو ولا يحققه له إلا القتل والخراب، إلا الصواريخ والنابالم والقنابل الموقوتة تحملها طائرات "الفانتوم" الأمريكية. قبل ٥ يونيو سنة ١٩٦٧ استطاعت إسرائيل أن تحصل من الولايات المتحدة الأمريكية على كل المعدات اللازمة للحرب الإلكترونية، كل المعدات التى استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتجها، استطاعت إسرائيل أن تحصل عليها، وأن تبقى هذا سراً لا يعرفه أحد.
وكان من الواضح أن هذه الأسرار التى تشملها الحرب الإلكترونية، وهى أساليب جديدة فى الحرب لا تعرفها الكثير من الدول، عدد قليل قوى من الدول - دولتين أو تلاتة بس - تستطيع أن تلم بأسرار معدات الحرب الإلكترونية، واستطاعت إسرائيل أن تحصل من أمريكا قبل ٥ يونيو على كل معدات الحرب الإلكترونية التى تساعدها؛ لا فى الدفاع فقط، ولكن فى الهجوم على الدول العربية.
إذن ٥ يونيو كان مؤامرة مرتبة، وكانت إسرائيل فى هذا تستعين بالأسلحة من الدول الغربية، وتستعين بالمعدات الإلكترونية من أمريكا.
الوقائع بين ١٤ مايو سنة ٦٧ و٨ يونيو سنة ٦٧ قد تختلف فيها التفسيرات، وقد تختلف فيها الاجتهادات، ولكن ما حدث بعد ٨ يونيو سنة ٦٧، يكشف حقيقة النوايا الإسرائيلية، ويبين بحقيقة قاطعة.. يبين بالصدق ولا يبين بالاجتهادات أو التفسيرات.
بعد ٨ يونيو كان هناك قرار فى الأمم المتحدة، فى مجلس الأمن، بوقف القتال والانسحاب، وتقدمت الدول الصديقة والدول الآسيوية - الإفريقية بهذا القرار، ولكن اعترضت أمريكا على الجزء الثانى من القرار، وصممت على أن يكون قرار مجلس الأمن بإيقاف القتال فقط، وأن يشطب منه كل شىء ينص على انسحاب القوات المعتدية إلى الأماكن التى كانت فيها قبل العدوان.
بعد كده كانت هناك قرارات ومشروعات فى الأمم المتحدة اختلفت فيها الآراء، ولكن كان هناك قرار مجلس الأمن، قرار نوفمبر سنة ١٩٦٧، وقد أعلنا نحن هنا فى مصر، ان احنا نقبل قرار مجلس الأمن سنة ١٩٦٧ الذى ينص على إقامة السلام، والذى ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية.
وقبلنا نحن قرار مجلس الأمن، ولكن على شرط أن ينفذ قرار مجلس الأمن بحذافيره، ينفذ من وجهة نظرنا، كان لنا شرطين اتنين:
أولاً: الانسحاب الكامل من جميع الأراضى العربية المحتلة.
والتانى: حقوق شعب فلسطين، أو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بالنسبة لشعب فلسطين.
قبلنا نحن قرار مجلس الأمن، ولكن ماذا حدث فى الجانب الآخر؟ ماذا حدث فى إسرائيل؟ هل قبلت إسرائيل قرار مجلس الأمن؟ تعهدنا نحن بتنفيذ قرار مجلس الأمن، ماذا حدث فى الجانب الآخر؟ هل تعهدت إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن؟ نحن قبلنا قرار مجلس الأمن، وتعهدنا بتنفيذ قرار مجلس الأمن، ولكن العدو الإسرائيلى رفض قرار مجلس الأمن، ورفضوا تنفيذ ما يحتويه قرار مجلس الأمن، اختلفوا حتى على ذكر كلمة الانسحاب.
فى الأسبوع الماضى رئيسة وزراء إسرائيل قالت: إنها لم تقبل بأى شكل من الأشكال أن تقول إن إسرائيل على استعداد للانسحاب من الأرض المحتلة، وقالت أيضاً رئيسة وزراء إسرائيل منذ أسابيع: إنها وإنهم ينكرون أن هناك شعباً اسمه شعب فلسطين!
كل التصرفات الإسرائيلية تنتج من المنطق القديم، يريدون اغتصاب الأرض.. يريدون قتل الناس.. عايزين الأرض بدون ناس؛ يا إما يموتوهم يا إما يطردوهم، وعايزين الأرض. بيقولوا إنهم دولة لا حدود لها، قال واحد من زعمائهم بعد سنة ٦٧: احنا كنا الجيل - "ديان" قال هذا الكلام - اللى عمل حدود سنة ٤٨. وكلم العساكر الإسرائيليين وقال لهم: أنتم الجيل اللى عمل حدود ٦٧، وحييجى الجيل القادم يجعل حدود إسرائيل فى أوضاعها الطبيعية. اتكلموا على إسرائيل الكبرى، ومع هذا يتحدثون عن السلام، والصحافة فى أكتر عدد من الصحف فى الدول الغريبة تردد ما تقوله إسرائيل، يا إما هناك إرهاب فكرى صهيونى، يا إما هناك أموال صهيونية، يا إما هنا أموال يهودية، يا إما هناك مصالح لهذه الصحف تردد ما تقوله إسرائيل.
إن إسرائيل تتحدث دائماً عن السلام، ولكن هم لما يتكلموا عن السلام، هل فعلاً تريد إسرائيل السلام؟! هل تصرفات إسرائيل هى تصرفات من يريد السلام؟! من الواضح لنا جميعاً أنهم حينما يتكلمون عن السلام إنما يخدعون العالم كله؛ لأنهم يعملون فقط من أجل التوسع.. من أجل اغتصاب الأرض.. من أجل قتل أصحاب الأرض.
يطلبون المفاوضات، ويقولون.. بيقولوا إنهم على استعداد للمفاوضات المباشرة ولكن قبل المفاوضات المباشرة مع العرب مش مستعدين يتكلموا على أى شىء ولا على أى نواحى. والغريب انهم يعرفوا أن ما من دولة تقبل أن تتفاوض مع عدو يقاتلها وتقاتله، بينما هو يحتل أراضيها.
مطلب المفاوضات المباشرة مجرد عمل للدعاية يمكن أن ينطلى على الرأى العام العالمى؛ وطبعاً هم بيقولوا ان احنا عايزين السلام وعايزين المفاوضات. كيف نذهب نحن إلى مائدة المفاوضات وهناك سيناء المحتلة والضفة الغربية المحتلة والقدس المحتلة وغزة المحتلة والجولان المحتلة؟! كل هذه الأرض أرض عربية احتلتها إسرائيل، واغتصبتها إسرائيل فى سنة ١٩٦٧.. كيف نذهب ونكون على مائدة المفاوضات على قدم المساواة؟
إننا حينما نذهب إلى هذه المفاوضات ونجلس على مائدة المفاوضات لن تكون هذه المائدة بالنسبة لنا مائدة مفاوضات، وإنما مائدة الاستسلام؛ لأن عدونا حينما يتكلم إنما يتكلم من منطق القوة، والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد هذا الكلام، وهى تعلم أنها حينما هوجمت من اليابان، وحينما هوجمت بيرل هاربر من اليابان وأغرق الأسطول الأمريكى كله فى المحيط الهادى، ودمر الجيش الأمريكى كله فى المحيط الهادى، وانسحبت أمريكا، رفضت أمريكا المفاوضات كلية، ولكنها استعدت حتى تستعيد الأرض، وطالبت اليابان بأن تنسحب من الأراضى التى احتلتها، ولم تقبل أن تتفاوض.
الأغرب من هذا بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لقادة إسرائيل لما يتكلموا على المفاوضات المباشرة، ويقولوا إنهم مستعدين يتكلموا مع العرب فى مفاوضات مباشرة، بيلغوا أى سبب يدعو إلى هذه المفاوضات، بيقولوا إنهم عايزين يتفاوضوا مع العرب على المستقبل وعلى الحدود، وعلى أساس أن تكون حدوداً آمنة ومعترفاً بها، ولكن بيقولوا القدس لم تعد مادة للتفاوض، ضموا القدس إلى إسرائيل، وبيقولوا إن المرتفعات السورية لم تعد مادة للتفاوض، وليست مادة للتفاوض، بيقولوا إن الخليل لم تعد مادة للتفاوض وليست قابلة للتفاوض، بيت لحم ليست قابلاً للتفاوض، قطاع غزة ليس قابلاً للتفاوض، ما الذى يبقى إذن للتفاوض حتى على فرض أن أحداً كان على استعداد لمجرد التفكير فيه مع العدو الإسرائيلى؟!
أيها الإخوة:
هل حدث من قبل أن طرفاً فرض على غيره من الأطراف فى الحرب أن يتفاوض معه بينما هو يحتل أرضه؟ ذلك حدث من قبل فى التاريخ فى حالة واحدة، الاستسلام بلا قيد ولا شرط، كما حدث لليابان وكما حدث لألمانيا الهتلرية؛ ذلك بالضبط ما تريده إسرائيل اعتماداً على وهم انتصارها العسكرى فى ٥ يونيو سنة ١٩٦٧، يريدون منا أن نستسلم بلا قيد ولا شرط.
أيها الإخوة:
إن الأمة العربية لن تخضع، ولن تستسلم بلا قيد ولا شرط، لقد ضربت ولكنها بقيت مرفوعة الرأس، تحاول أن تبنى قوتها للدفاع عن نفسها وعن حريتها وعن سلامها ضد القتل وضد الصواريخ والنابالم والقنابل الزمنية تحملها طائرات "الفانتوم" الأمريكية، وفوق كل ذلك فإن إخضاع الأمة العربية كلها؛ فرض الاستسلام بلا قيد ولا شرط عليها فوق طاقة إسرائيل، وحتى فوق طاقة من هم وراء إسرائيل.
إن ٥ يونيو كان صدمة؛ ولكن جماهير شعوب الأمة العربية أثبتت عملياً وصممت على الرفض، على رفض الهزيمة، ويجب - أيها الإخوة - أن نلح على الرفض.. إنها أثبتت عملياً؛ لكى نفرق الرفض الإرادى عن الرفض الانفعالى الذى يصدر عن العاطفة وحدها.
إن الأمة العربية حينما خرجت تعلن تصميمها على القتال كانت تعبر عملياً عن رفضها للهزيمة وعن استعدادها للتضحية، وعن استعدادها لتقديم دمائها وأرواحها فداء لكرامتها، وفداء لأرضها، وفداء لشرفها، وفداء لوطنها. إن الأمة العربية لن تستسلم ولن تخضع، ولن تستطيع إسرائيل أن تخضع الأمة العربية، ولن تستطيع أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - أن تخضع الأمة العربية؛ لأن هذا فوق طاقة إسرائيل، وفوق طاقة الولايات المتحدة الأمريكية.
أيها الإخوة:
إن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو سنة ١٩٦٧ هو أكثر ما يدينها أمامنا هنا، أمام الأمة العربية كلها، وأمام الرأى العام العالمى؛ لأن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو يكشف عن نواياها.
أيها الإخوة:
إن إسرائيل لا تريد السلام، وإنما إسرائيل تريد التوسع، وحينما تتكلم إسرائيل ويتكلم قادة إسرائيل عن السلام، ويقولون إنهم يريدون تخطيط حدود آمنة ومعترف بها يخدعون العالم، ما معنى حدود آمنة ومعترف بها؟ حينما يقولون أن لا حدود لهم، يريدون تخطيط حدود جديدة توفر لهم الأمن وتوفر لهم السلامة.. معنى هذا أن الحدود الجديدة لابد أن تكون قرب نهر الأردن، معنى هذا اغتصاب أجزاء كبيرة لا نهاية لها من الأرض العربية.
حينما يصرخ قادة إسرائيل ويتكلمون عن السلام ويضللون، بعد هذا يقولون ضرورات أمن إسرائيل.
إسرائيل لا تريد السلام، تريد أن تخدع العالم والرأى العام العالمى وهى تردد كلمة السلام، تريد أن تخدع العالم والرأى العام العالمى وهى تتكلم عن الحدود الآمنة والمعترف بها، وأنا أقول إن إسرائيل تريد التوسع؛ لأنهم يقولون إنهم لن يعودوا أبداً إلى الخطوط اللى كانوا عليها أو إلى الحدود التى كانوا عليها قبل ٥ يونيو سنة ١٩٦٧.
ماذا يعنى هذا؟ دا معناه إيه؟ معناه أن إسرائيل تريد أن تغتصب وتضم الأراضى العربية بالقوة، إسرائيل لا تريد السلام وإنما تريد التوسع. إننا نقول للعالم نحن نعمل من أجل السلام ومن أجل الحياة ومن أجل البناء، ولكن لا يمكن أن يكون هناك سلام وتوسع إسرائيلى فى نفس الوقت.
أيها الإخوة:
إن إسرائيل لا تطلب المفاوضات إلا تكئة وتعلة، ولكنها تريد أن تفرض علينا صك الاستسلام.. على الأمة العربية كلها، تريد منا أن نوقع ونعترف أن إسرائيل قد ضمت هذه الأجزاء الغالية من الأراضى العربية، ولا يوجد بين أبناء الأمة العربية من يقبل بأى حال من الأحوال أن يفرط فى بوصة أو شبر من الأراضى العربية؛ لأن هذه الأرض ليست ملكاً لأى فرد فى الأمة العربية، ولكنها ملك للأمة العربية كلها.
إن إسرائيل تريد التوسع ولا تريد السلام.. إنها تخدع الرأى العام العالمى. إن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو يفضحها ويدينها ويكشف عن نواياها.
حينما صدر قرار مجلس الأمن فى نوفمبر سنة ١٩٦٧ نص هذا القرار على أن يعين سكرتير عام الأمم المتحدة مندوب له يتصل بالأطراف المعنية.. كلكم عارفينه.. "يارنج".. وجا "يارنج".. وقعد شايل شنطته ويلف ١٨ شهراً بين الدول العربية وإسرائيل. إيه اللى حدث فى الـ ١٨ شهر؟ إسرائيل تتكلم عن السلام، تخدع العالم كله.. تخدع الرأى العام العالمى، وتعلم أن وراءها من يؤيدها، وراءها من يؤيدها فى أهدافها العدوانية.. وراءها من يؤيدها فى التوسع، وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تخدع أيضاً الرأى العام فى أمريكا.. ١٨ شهراً "يارنج" يلف فى الدول العربية كلها، ووضع لنا أسئلة عن جميع النقط الموجودة فى قرار مجلس الأمن. احنا جاوبنا على كل أسئلة "يارنج" الخاصة بقرار مجلس الأمن، قلنا إن احنا نقبل قرار مجلس الأمن، إن احنا نقبل تنفيذ كل ما جاء فى قرار مجلس الأمن، ونقبل تنفيذ كل ترتيبات السلام التى نص عليها قرار مجلس الأمن، ولكن على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضى المحتلة كما نص على هذا قرار مجلس الأمن، وعلى إسرائيل أن تنفذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب الفلسطينى كما نص على هذا قرار مجلس الأمن. ماذا كان موقف إسرائيل من "يارنج"؟ لم تجاوب إسرائيل أى إجابة صريحة على أسئلة "يارنج"، كان "يارنج" يديهم الأسئلة ويردوا عليه إنشاء.. مافيش أى كلام فى الرد يمت بأى صلة إلى السؤال. رفضت إسرائيل أن تذكر كلمة الانسحاب، ورفضت أن تشير إليها بأى حال من الأحوال، ولكن إسرائيل قالت إنها على استعداد أن تبحث فى إعادة توزيع قواتها.
طبعاً هذا إن دل على شىء فيدل على أن إسرائيل لا تريد الانسحاب، ولكن تريد التوسع.
هناك أيضاً موضوع آخر يدل على نوايا إسرائيل، ويدين إسرائيل، ويكشفها، حدث بعد ٨ يونيو أن كانت هناك اقتراحات من فرنسا على أساس قيام محادثات رباعية بين الدول الكبرى لبحث مشكلة الشرق الأوسط، ووافقنا نحن على هذه المحادثات.
وحينما اتصلت بنا فرنسا وافقنا على الفكرة، ولكن إسرائيل رفضت هذه الفكرة وقالت إنها لا تقبل أن يكون الحل إلا من الداخل، ما معنى هذا؟ معنى إسرائيل أنها تريد أن تفرض الأمر الواقع وتريد أن تفرض سيطرتها، وتريد أن تفرض على العرب الاستسلام، وتريد من العرب أن يقبلوا احتلالها وضمها للأراضى العربية.
بعد هذا كانت هناك محادثات ثنائية بين أمريكا والاتحاد السوفيتى خاصة بمشكلة الشرق الأوسط. نحن أعلنا ان احنا نقبل هذه المفاوضات، ولكن إسرائيل رفضت، وقامت بحملة كبيرة فى كل أنحاء العالم الغربى ضد هذه المفاوضات.
من هذا كله نستطيع أن نقول إننا حقيقة أثبتنا عملياً أننا نريد السلام، ولكن أمتنا فى نفس الوقت أثبتت عملياً أنها ترفض الاستسلام، ورفض الاستسلام مسئولية كبيرة، إذا أردنا السلام وفى نفس الوقت رفضنا الاستسلام.. فى مواجهة عدو كالعدو الإسرائيلى؛ بتاريخه الطويل وبمخططاته المعروفة، وبصماته المعروفة مع تأييد الولايات المتحدة الأمريكية له.. لإسرائيل.. فى كل أعمالها العدوانية.. وفى كل نواياها العدوانية، إذا رفضنا الاستسلام - مهما كنا نريد للسلام - فرفض الاستسلام يفرض علينا أن نقاوم، ويفرض علينا أن نصمد ويفرض علينا أن نناضل، يفرض علينا أن نقاتل؛ لأن رفض الاستسلام ليس كلاماً يقال ثم نترك العدو بعده يمرح بأمان على أراضينا.. رفض الاستسلام معناه أننا نستعد للتضحيات، وأننا نستعد للقتال، وأننا نستعد للبذل والعطاء؛ من أجل كرامتنا وحريتنا، ومن أجل كرامة الأمة العربية، وحرية الأمة العربية.
والآن - أيها الإخوة - هم بيتهمونا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار، كلنا نعلم أن قرار وقف إطلاق النار صدر من مجلس الأمن فى يونيو سنة ٦٧؛ يوم ٩ يونيو سنة ٦٧، والوضع الطبيعى، كما كانت تنص عليه اقتراحات الدول الآسيوية والإفريقية والاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية.. الوضع الطبيعى أن يكون وقف إطلاق النار مقروناً بفقرة تنص على انسحاب القوات إلى المواقع التى كانت فيها قبل القتال.
ولكن أمريكا صممت، ورفضت فى مجلس الأمن.. رفضت أن يشمل القرار أى شىء خاص بالانسحاب، وصدر القرار ناقصاً وفى يونيو سنة ١٩٦٧ صدر قرار مجلس الأمن اللى اتكلمنا عليه دلوقت، ونص على الانسحاب من الأراضى المحتلة، ونص على إقامة السلام، ودلوقت بيطالبونا بوقف إطلاق النار، بيتهمونا بخرق وقف إطلاق النار؛ إسرائيل - العدو الإسرائيلى.. وأمريكا؛ الولايات المتحدة الأمريكية - يتناسون أو ينسون قرار الانسحاب اللى صدر فى نوفمبر سنة ١٩٦٧، ويذكروا بس قرار وقف إطلاق النار اللى صدر فى يونيو سنة ١٩٦٧.
كيف يمكن أن يكون هناك وقف لإطلاق النار مع وجود أراض من وطننا ووطن الأمة العربية ترزح تحت احتلال يمارس الجريمة الجماعية علناً وعلى أوسع نطاق؟!
أيها الإخوة:
من الواضح أن أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - أساءت للأمة العربية كلها بمساعدة إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً حتى يستمر الاحتلال؛ احتلال الأراضى العربية الذى قارب الآن ٣ سنوات. أمريكا بعد الاحتلال ادت إسرائيل ١٥٠ طيارة "فانتوم" و"سكاى هوك" ادوهم سنوياً ٣٥٠ مليون دولار إعانة، كيف يكون هناك وقف إطلاق النار والأرض العربية احتلالها الإسرائيلى قارب أن يمر عليه ٣ سنوات؟ كيف يمكن أن يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك تغيير لطبيعة الأرض المحتلة؟ الأرض العربية المحتلة؛ تغيير لطبيعة الأرض فى القدس.. تغيير لطبيعة الأرض فى الخليل.. تغيير لطبيعة الأرض فى غزة.
ولم يكن من المستطاع بدون مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، وإمداد أمريكا لإسرائيل بالطيارات والدبابات والمدافع والعربات المدرعة والأجهزة الإلكيترونية الحديثة.. لم يكن لإسرائيل أن تستطيع أن تستمر فى كبت القوى العربية المناضلة فى الأرض المحتلة، لم تكن إسرائيل بدون المساعدات الاقتصادية الأمريكية - ٣٥٠ مليون دولار سنوياً؛ اللى بيتلموا من السندات، واللى بياخدوها من التبرعات؛ زائد المساعدات الأمريكية، وقد يزيد عن ٣٥٠ مليون دولار سنوى - لم تكن إسرائيل تستطيع أن تستمر ٣ سنوات تقتل وتهدم البيوت، وتحتل الأراضى، وتسجن ١٥ ألف عربى فى فلسطين المحتلة، كيف يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك العقاب الجماعى؟ كلنا نعرف - واعترف "ديان" - إنهم بيقوموا بالعقاب الجماعى، بيهدوا البيوت جماعياً ويطردون العائلات منها، وعقاب الجيرة؛ الجيران إذا ما اعترفوش على الفدائيين وعلى الثوار بيعاقبوهم، ويهدوا لهم بيوتهم، بيهدوا بإيه؟ بالعربية النص جنزير الأمريكانى، بالمدافع الأمريكانية، بيضربوا المقاومة بالطيارات الأمريكية الصنع.. طيب كيف يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك التعذيب؟ شهادة لجنة التحقيق الدولية اللى كانت موجودة فى القاهرة من يومين تلاتة؛ الشهادات اللى كانت قدامها تثبت للعالم كله ان إسرائيل تقوم بعمليات تعذيب للشعب العربى الفلسطينى؛ أكثر مما قام به "هتلر" ضد اليهود فى ألمانيا فى وقت الحرب العالمية التانية.. هذه اللجنة تابعة للأمم المتحدة.
أيها الإخوة:
كيف يكون هناك وقف لإطلاق النار وإسرائيل تعلن وقادة إسرائيل يعلنون أنه ليس هناك حدود رسمية لإسرائيل، وأن الحدود تبنى على مضى الزمن؟! خريطة السلام لإسرائيل وما تكشفه خريطة السلام؛ الخريطة التى قالوا عنها أخيراً، وتكلم عنها أحد وزراء إسرائيل وقال: إن إسرائيل بالنسبة لى هى التى قررها "هرتزل" منذ عشرات السنين؛ أى من النيل إلى الفرات، من فرع دمياط.. تدخل الشرقية ومناطق أخرى غرب القناة لغاية ما نوصل إلى العراق.. بتدخل سوريا، وبتدخل لبنان وبتدخل الأردن وبيدخل الجزء الشمالى من السعودية. منين وتنتهى فين حدود إسرائيل؟ هم بيقولوا مالهمش حدود. وازاى هيقدروا يحققوا هذا الطلب وبأى الوسائل وبأى الأساليب؟ كيف يمكن انهم يحققوا هذا إلا بالتخدير.. وقف إطلاق النار.. ثم فرض الأمر الواقع.. ثم القتل والتدمير.. ثم الحصول على سلاح من الولايات المتحدة الأمريكية.. ثم التوسع مرة أخرى.
تكلموا عن إسرائيل الكبرى، وتكلموا عن أشياء كثيرة.. كيف يمكن أن نستمر فى وقف إطلاق النار؟ وقف إطلاق النار معناه الاستسلام بالوقت.. بعنصر الزمن، نخلق أمر واقع جديد معادى لكل آمالنا فى الأمن والسلام والبناء والحرية، ولكن مع هذا هل العدو بعد يونيو ٦٧ التزم بقرار وقف إطلاق النار حين لم يكن فى استطاعتنا أن نرد على ضربات العدو؟ كلنا نعرف فى ٦٧ حصل إيه، سكان السويس حصل لهم إيه، سكان الإسماعيلية حصل لهم إيه، المصانع اللى فى السويس، معامل تكرير البترول، مصانع السماد؛ المصانع اللى موجودة فى الإسماعيلية، السكان اللى موجودين هناك. لم تلتزم إسرائيل أبداً بوقف إطلاق النار، ولكنها أرادت أن تستخدم النص مليون اللى بيسكنوا السويس والإسماعيلية والمنطقة بينهم كرهينة؛ بإيقاع الخسائر فيها تجبرنا على الاستسلام، ولكن استطاع أهالى السويس والإسماعيلية والشعب المصرى على قناة السويس أن يتحمل وأن يصمد، وحينما قررنا ألا نعطى هذا السلاح لإسرائيل.. سلاح إيقاع الخسائر بالسكان المدنيين.. قررنا تهجير نص مليون مواطن من هذه المنطقة، وتركنا المنطقة خالية إلا للقوات المسلحة، ماذا كان السبب فى هذا؟ كان السبب أن إسرائيل لم تلتزم بوقف إطلاق النار، وحينما بدأنا نرد على النار بالنار، وعلى القنابل بالقنابل، وعلى الضرب بالضرب؛ بدأ العدو يتكلم عن وقف إطلاق النار، حينما بدأ عملنا يكبر ضد العدو الإسرائيلى، سارع أصدقاؤه إليه بالطائرات؛ علشان يمكنوه من الاحتفاظ بالأراضى المحتلة، علشان يمكنوه من أن يفرض إرادته على الأمة العربية.
فى سنة ٦٩ بدأت إسرائيل تتسلم طائرات "الفانتوم"، طائرات "السكاى هوك"، وبدأت أمريكا تتكلم عن حفظ التوازن، ما هو التوازن فى منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لأمريكا؟ التوازن فى رأى أمريكا وقادة أمريكا هو التفوق الكاسح لإسرائيل، ومن حوالى ٤٠ يوم تكلم الرئيس الأمريكى عن طلب إسرائيل لصفقة الأسلحة ١٥٠ طيارة جديدة "فانتوم" و"سكاى هوك،" وقال إن إسرائيل متفوقة جداً على العرب وهى ليست فى حاجة إلى أى طائرات أخرى الآن، ولكن إذا اختل التوازن الحالى فسنعطى إسرائيل ما طلبته، ولن نسمح بأن يتأثر التفوق الإسرائيلى، وبعدين قال: إن أمريكا قررت فى الوقت الحالى إنها تدى إسرائيل ١٠٠ مليون دولار مساعدة اقتصادية.
إذن التوازن فى رأى الولايات المتحدة الأمريكية هو الاحتفاظ بالتفوق الإسرائيلى الكاسح، إذن التوازن هو تمكين إسرائيل من الاستمرار فى احتلال الأراضى العربية، إذن التوازن فى رأى السياسة الأمريكية هو تمكين إسرائيل من أن تبقى هذا الشعب العربى، الموجود فى الضفة الغربية وفى غزة وفى الجولان وفى سيناء، تحت ربقة الاستعمار الإسرائيلى وتحت ربقة العنصرية الإسرائيلية، إذن التوازن فى رأى السياسة الأمريكية أن تبقى إسرائيل معتقلة ١٥ ألف شاب عربى فلسطينى! أن تقتل إسرائيل الفلسطينيين بالليل والنهار تحت اسم مقاومة المقاومة الفلسطينية أو مقاومة الإرهاب. إذن التوازن بالنسبة للسياسة الأمريكية - سياسة الولايات المتحدة الأمريكية - هو عرقلة أى مقدرة هجوم مصرى لاستعادة الأرض المصرية التى احتلتها إسرائيل سنة ١٩٦٧، هجوم لا يستهدف العدوان ولكن يستهدف التحرير.. هجوم لا يقصد التدمير ولكن يقصد التطهير.
التوازن فى رأى الولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر إسرائيل فى ضربنا فى العمق؛ ضرب مصانعنا، ضرب مدارسنا، ضرب المدنيين، ضرب منشآتنا الاقتصادية، إسرائيل أخذت "الفانتوم" وأخذت "السكاى هوك" فى سنة ٦٩، ولازالت لغاية دلوقت كل شهر بتستلم ٤ طيارات "فانتوم". بالمقدرة الجوية الجديدة التى أعطتها أمريكا لإسرائيل فى سنة ٦٩ أصبح العدو الإسرائيلى فى مقدوره أن ينفذ بالعمق؛ لكى يضرب أهدافاً بعيدة، ويرغمنا على بعثرة قواتنا، ضربوا المدنيين وقتلوا العمال، ضربوا المدارس.. قتلوا الأطفال، واستخدموا فى كل هذا الطائرات "الفانتوم" الأمريكية التى استلموها فى سنة ١٩٦٩.
كانت التصريحات والتهديدات من قادة إسرائيل أنهم سيضربون فى كل مكان فى مصر؛ حتى تخضع مصر لإرادتهم وتقبل شروطهم، بل قال أحد قادة إسرائيل - قال كده بالحرف الواحد - إنهم هيهدوا مصر كلها ومش هيخلوا فيها مبنى قائم.. طبعاً كان بيقول هذا الكلام وهو يشعر ان وراه الولايات المتحدة الأمريكية تديله الطيارات "الفانتوم" قاذفة القنابل، تدى له الطيارين، بتدى له الفنيين، بتدى له عمال الصيانة تحت الجمع بين الجنسية الأمريكية والجنسية الإسرائيلية، وفى نفس الوقت بتدى له قروض طويلة الأجل؛ حتى لا يدفع أى ثمن فى الحصول على هذه الأسلحة. طبعاً أما بيشوفوا دا بيقولوا ويصرحوا إنهم... قالوا وصرحوا سنة ٦٧ و٦٨ و٦٩ أن مصر إذا ما قبلتش شروطهم حيهدوها، حيهدوا مش حيخلوا فيها أى منشأة اقتصادية، وحيضربوها ويدمروها، وانهم يعتمدون فى هذا على مقدرتهم الجوية. طبعاً كل هذا حتى نشعر بالخوف والرعب، ونخضع لإرادتهم ونقبل شروطهم، وأنا كنت أعلم - أيها الإخوة - أنكم تقبلون التضحيات الغالية، ولكن لا يوجد بينكم جميعاً من يرضى بالخضوع والاستسلام.
يوم ٢ فبراير الماضى بلغتنا أمريكا.. ممثل أمريكا الموجود هنا فى القاهرة بلغنا بمذكرة رسمية الآتى: قال إن إسرائيل الآن تقوم بغارات عميقة فى داخل مصر، وان أمريكا تشعر بالقلق بالنسبة لهذه الغارات العميقة، وتشعر بالأسف على الضحايا اللى بيسقطوا نتيجة الغارات الإسرائيلية العميقة، وعلى هذا فهى تنصحنا بأن نعلن قبولنا فى الحال لوقف إطلاق النار، وإذا لم نقبل وقف إطلاق النار فإن الغارات الإسرائيلية فى عمق البلاد ستستمر بصورة أكبر وستزداد.. والغارات الإسرائيلية ستزداد. وكانوا يعتقدون أن هذا سيخيفنا، أو سيجعلنا نتردد ونقبل أن نخضع أو نستسلم.
قلنا - أيها الإخوة - إننا نوافق على وقف إطلاق النار إذا أعلنت إسرائيل - وضمن هذا مجلس الأمن - موعد الانسحاب للقوات الإسرائيلية المعتدية من الأراضى العربية المحتلة كلها، مش من سينا بس؛ من سينا ومن غزة ومن الجولان ومن الضفة الغربية ومن القدس.. هذا هو السبيل الوحيد حتى نقبل إيقاف إطلاق النار.
أيها الإخوة:
مرينا بأو
لقد قصدت أن أحضر عيد العمال معكم هنا فى شبرا الخيمة.. فى المنطقة الصناعية الكبرى، التى تمثل أبو زعبل قطعة منها، وامتداداً عضوياً لها، أردت ذلك؛ لأنه ما من شىء يشرح الحقيقة فيما نمثله، وفيما ندافع عنه وفيما نقاتل من أجله، كذلك المثل الأعلى الذى نستطيع أن نستلهمه من هنا، ونتحقق من صحته وصدقه على الطبيعة، فى هذه البقعة المكافحة من أرض مصر الخالدة.
هنا أيها الإخوة.. فما حدث فى أبو زعبل يتجسد الصراع بيننا وبين العدو، تتجسد حقائق الصراع، وتتجسد معانى الصراع، وتتجسد أهداف الصراع.
بجوارنا فى أبو زعبل تقوم الشركة الأهلية للصناعات المعدنية بأبو زعبل، تكلف هذا المصنع حوالى ٥ مليون جنيه؛ دفعها الشعب المصرى الذى عاش طول عمره يبنى للسلام وللحضارة وللحرية، يعمل فى هذا المصنع ٢٠٠٠ عامل، أجورهم فى السنة حوالى مليون جنيه، يرعون أو يعولون ٢٠٠٠ أسرة طيبة عاملة مكافحة، مصنع ناجح يتصل العمل فيه ثلاث ورديات، تستغرق كل الـ ٢٤ ساعة فى اليوم.. ينتج هذا المصنع ٧٥ ألف طن من حديد التسليح الذى يستخدم فى البناء؛ وبالتالى فإن المصنع كله يكاد أن يكون رمزاً حياً لأمل التشييد والتعمير، هذا هو المصنع الذى بنيناه، وعملنا فيه، ووجهنا طاقته إلى خدمة الحياة. فلننتقل - أيها الإخوة - إلى ما حدث لهذا المصنع صباح يوم ١٢ فبراير الماضى.. فجأة، وعلى ارتفاع منخفض، تسللت طائرات "الفانتوم" التى أرسلتها أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - لإسرائيل سنة ٦٩؛ تسللت وتوجهت إلى هذا المصنع بنيرانها، بالصواريخ وقنابل النابالم والقنابل الموقوتة زمنياً، وبعد دقائق - أيها الإخوة - كان أحد العنابر الرئيسية فى هذا المصنع صورة للدمار والموت، وكانت الخسارة تقدر بـ ٣٥٠ ألف جنيه، وكانت الخسارة ٨٨ عاملاً شهيداً، ١٥٠ عاملاً جريحاً، الآلات التى كانت فى هذا العنبر تحطمت، ومزقتها الانفجارات، وكانت الجروح - جروح الجرحى - جروح محرقة، أحدثتها نيران قنابل النابالم، التى أمدت بها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، وكانت القنابل الموقوتة - القنابل الزمنية - مدفونة فى الأرض، وهذه القنابل أمدت بها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، ولم يكن لها من هدف إلا أن تكون مصيدة موت ودمار أخرى للقادمين من فرق الإنقاذ والإسعاف.
أيها الإخوة:
هذا هو العدو الذى يقابلنا، والذى يتحتم علينا ولا مفر أمامنا من أن نقاتله. المصنع وما يمثله من طاقة البناء هو ما يمثله نحن، ما تمثلونه أنتم؛ الشعب الطيب الذى عمل دائماً من أجل السلام ومن أجل البناء، والصواريخ والنابالم والقنابل الزمنية الموقوتة هو ما يمثله العدو، ومن هم وراء العدو، ومن يمدون العدو بأسلحة الدمار وقنابل الدمار، هذا هو موقفنا، وذلك هو موقفه.
أيها الإخوة:
نحن نبنى طاقة الحياة والأمل والحرية، والعدو يفجر القوى المدمرة للقتل والحريق والخراب.
أيها الإخوة:
هذه هى معركتنا مع عدونا، ومع من هم وراء عدونا.
أيها الإخوة:
هذه هى حقيقة الصراع بيننا وبين العدو، وليس فى ذلك جديد على صراع أمتنا مع العدو، ليس جديداً طرأ بعد معارك ٥ يونيو حتى نقول إن هذه هى الحرب بمصاعبها وويلاتها، ولكنها شخصية العدو، وطابع العدو، ومنطق العدو، والقانون الذى يحكم كل تصرفات العدو قبل الغارة على مصنع أبو زعبل بعشرات السنين، وسوف يستمر بعدها حتى نتمكن - بعون الله وإذنه - من أن نحقق أمل السلام العربى قوياً ودائماً.. مضموناً ومأموناً؛ لنستطيع أن نواصل البناء للحياة وللأمل وللحرية؛ بغير تهديد الصواريخ والنابالم والقنابل الموقوتة.
منذ وقت طويل - أيها الإخوة - كان ذلك كله شخصية وطابع ومنطق العدو، والقانون الذى يحكم تصرفاته؛ من قبل سنة ٤٨ وفى سنة ٤٨، من مذبحة دير ياسين وقبل مذبحة دير ياسين؛ كلنا نعلم فى مذبحة ديرياسين قتلوا الأطفال، وبقروا بطون الحوامل، وقطعوا رءوس الرجال؛ لكى يبثوا الذعر فى قلوب الشعب الفلسطينى؛ حتى يخرج هذا الشعب من أرضه، ولكى يهرب من بيوته ومزارعه طلباً للنجاة، حتى تخلو الأرض والبيوت للذين لا تربطهم بفلسطين صلة إلا صلة الخرافة المدعاة، تبحث عما كان لفترة قصيرة من الزمان قبل أكثر من ٢٠٠٠ سنة، وتنسى ما كان حقيقة واقعة لآلاف السنين فى فلسطين.
كنا نحن العرب نريد أرضنا، ونريد السلام عليها، والحرية من حولها، وكانوا يريدون أرضنا، ولا سبيل لهم إلى ذلك حتى يستولوا على الأرض إلا القتل، ولم يكونوا يخفون رغبتهم فى القتل؛ حتى تخلو الأرض الطيبة الطاهرة لمطامعهم وأحقادهم.
أيها الإخوة:
إن زعماء إسرائيل لم يخفوا ذلك الكلام، اللى أنا باقوله دلوقت مش باقوله من عندى، مش باقوله استنتاج .. مش باقوله عبارة عن نقط متفرقة، ولكن قادة إسرائيل وزعماء إسرائيل قالوا هذا الكلام فى سنة ٤٨، وقبل سنة ٤٨، وبعد سنة ٤٨، وفى سنة ٦٧ وبعد سنة ٦٧؛ أكتر من واحد من زعماء إسرائيل وقف وقال علناً قدام الرأى العام العالمى كله: نحن نريد أرض العرب.. فكيف نأخذ أرض العرب من العرب؟ هل نقنع العرب بأنهم يتركوا لنا أرضهم بالمنطق والحجة؟ ذلك لا يصلح، والسبيل الوحيد إذن هو أن نقتل، وأن نثير الرعب والخوف، وليس فى ذلك ما ينبغى أن نخجل منه أو نداريه تحت الشعور بوخز الضمير، هذا هو طريقنا - طريق زعماء إسرائيل - إلى ما نريده إذا كنا نريده، ونحن نريده.
هذه - أيها الإخوة - بالحرف الواحد أقوال أكثر من زعيم من زعماء إسرائيل؛ سواء من السياسيين أو من العسكريين.
"مناحم بيجين" زعيم أحد الأحزاب قال هذا الكلام فى إسرائيل، "موسى ديان" قال هذا الكلام فى إسرائيل، "وايزمان" أخيراً قال هذا الكلام فى إسرائيل؛ قال: احنا يجب علينا أن نخجل حينما يقال إن هذه الأرض محتلة، ويجب علينا ألا نقبل أن نقول إن هذه الأرض العربية - يقصد بهذا الضفة الغربية وسينا والجولان، وكل الأرض التى احتلتها إسرائيل فى سنة ٦٧ - هى أرض محتلة! هذه ليست أرضاً محتلة؛ لأن هذه الأرض هى أرضنا، ويجب ألا نشعر بتوبيخ الضمير حينما نقول هذا.
وقال أكثر من هذا: إن إسرائيل هى التى حددها "هيرتزل" فى مشروعه؛ أى إسرائيل بين النيل والفرات. هذا الكلام ليس بالكلام الجديد، ولكنه كلام قديم قيل فى مناسبات، وهذه الأقوال لم تقتصر على الأقوال بل اقتصرت على الأفعال؛ فى سنة ٤٨ كانت دير ياسين، فى سنة ٥٦ كانت كفر قاسم، والمذابح التى حصلت فى كفر قاسم، وكانت مذابح خان يونس، والمذابح التى حدثت فى قطاع غزة، سنة ٦٧ المذابح التى حدثت فى قطاع غزة، والمذابح التى حدثت أيضاً فى خان يونس، والمذابح التى حصلت فى جميع المناطق المحتلة من الأرض العربية.
أيها الإخوة:
هذا هو الدرس الذى يجب علينا أن نتحمله، والذى يجب علينا ألا ننساه، منطق العدو.. أقوال العدو.. أفعال العدو، وسوف نواصل معاً الدرس الذى يعطيه لنا دائماً تطور الصراع؛ لأننا - أيها الإخوة - اليوم، وأكثر من أى يوم آخر، يجب أن نكون على بينة وعلى نور؛ فذلك وحده سوف يثبت إيمانناً، وسوف يعطينا اليقين الذى يشد عزمنا، ويقوى إرادتنا، ويستحق تضحياتنا، قد كانت كثيرة، وسوف تكون فى المستقبل أكثر؛ التضحيات التى مرت على طوال السنين الماضية، قبل سنة ٤٨ فى فلسطين، وبعد سنة ٤٨ فى فلسطين، وهنا فى مصر، وعلى الجبهة، وفى كل مكان..
سنة ٤٨ من الذى بدأ الهجوم؟ كانت بريطانيا تحتل فلسطين، وكانت بريطانيا هى الدولة المنتدبة، وسعت بريطانيا، وسعت أمريكا، وسعت الدول الاستعمارية كلها إلى الحصول على قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وصدر القرار فى سنة ٤٧، وفى سنة ٤٨ - وقبل ١٥ مايو - قبل أن تخرج القوات البريطانية من فلسطين، وقبل أن تنتهى مسئولية بريطانيا كدولة عينتها الأمم المتحدة للانتداب على فلسطين؛ قامت العصابات الإسرائيلية التى كانت مجهزة فى هذا الوقت بالسلاح والعتاد، والتى كانت تحصن مستعمراتها تحت نظر الإنجليز وبموافقة الإنجليز.. قامت بالاعتداء على العرب وطردهم من منازلهم، بل أكثر من هذا قامت هذه العصابات الإسرائيلية بمهاجمة المدن التى كانت تدخل ضمن القطاع العربى فى مشروع التقسيم الذى أقرته الأمم المتحدة، قبل ١٥ مايو سنة ١٩٤٨.. قامت العصابات الإسرائيلية بالهجوم على يافا وعلى عكا، وعلى مناطق أخرى من المناطق التى كانت تدخل ضمن الجزء العربى بعد تقسيم فلسطين، وقامت بعمليات إرهاب كبيرة؛ وذلك بمهاجمة المدن ومهاجمة القرى التى يسكنها العرب بمدافع الهاون، وبالمدافع الرشاشة؛ حتى يثيروا الرعب والذعر فى نفوس الفلسطينيين فيتركوا بيوتهم وأرضهم ويتركوا بلادهم، وقد خرج الكثير من أهل فلسطين نتيجة هذه الغارات الوحشية التى كانت مخططة ومنظمة من قادة إسرائيل وزعماء إسرائيل، وأصبحوا بعد هذا لاجئين.
وفى هذه الأيام، وفى سنة ٤٨ أيضاً، هاجموا القدس واحتلوا أجزاء القدس، أو لم تكن القدس فى هذه الأيام تدخل ضمن الجزء الذى قررته الأمم المتحدة لإسرائيل فى سنة ٤٧؟!
إذن من الذى بدأ الهجوم فى سنة ٤٨؟
لقد بدأت العصابات الإسرائيلية الهجوم على الشعب الفلسطينى، وتدخلت الدول العربية لإنقاذ الشعب الفلسطينى من عدوان العصابات الإسرائيلية، ولكن إسرائيل اليوم تغالط العالم كله وتقول: إن الدول العربية هى التى بدأت العدوان سنة ٤٨، وتقول إن الدول العربية هى التى طلبت من شعب فلسطين أن يترك فلسطين ويخرج ليكون شعباً من اللاجئين، وتحاول بكل الوسائل، وقد استطاعت بمساعدة قوى الاستعمار، وبمساعدة الصحافة التى تسيطر عليها الصهيونية العالمية، وبمساعدة الصحافة التى تسيطر عليها الدول الاستعمارية؛ أن تجعل جزءاً كبيراً من الرأى العام العالمى يصدق ما تقوله إسرائيل.. استطاعت بأموالها وبنفوذها وبإفسادها وبكل وسيلة من وسائلها أن تفهم الناس، بل تقنع الرأى العام العالمى أو جزءاً كبيراً منه أن إسرائيل كانت ضحية للعدوان العربى، واستطاعت أن تمحو فى هذه الأيام كل ما قامت به العصابات الإسرائيلية قبل ٤٨، وفى سنة ٤٨.
وأنا أقول هنا أيضاً وأذكر.. أذكر الجميع أنه بعد الهدنة.. بعد الهدنة وبعد انتهاء الحرب، احتلت إسرائيل منطقة إيلات، وكانت فى هذا الوقت تسمى منطقة أم الرشراش بعد اتفاقية الهدنة فى سنة ٤٩.
هذا هو منطق العدو، وهذا هو أسلوب العدو.. وفعلاً.. وحقاً لم تكن إسرائيل لتستطيع أن تفعل أى شىء من هذه الأشياء، وماكانتش تقدر تعمل أى عمل إلا بالمساعدة الوثيقة والمساعدة الغير مشروطة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن حكام الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد سنة ٤٩ وبعد اتفاقية الهدنة ماذا حدث؟
كانت هناك لجنة من الأمم المتحدة تسمى لجنة المصالحة؛ تتكون من أمريكا وتركيا وفرنسا كأعضاء، وكانت هذه اللجنة موكولاً إليها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التى صدرت فى سنة ٤٧ و٤٨ و٤٩، ولكن هذه اللجنة اجتمعت مرة واحدة بس؛ اجتمعت فى لوزان وحضرت إسرائيل وحضر العرب، ولكن إسرائيل رفضت أمام هذه اللجنة أن تنفذ أى قرار من قرارات الأمم المتحدة.
واستطاعت إسرائيل أن تنفذ كلمتها؛ لأنها انسحبت من الاجتماعات، ومنذ هذا اليوم هذه اللجنة؛ التى سميت لجنة التوفيق، لم تجتمع أبداً، ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية التى تمثل العضو الأساسى فى هذه اللجنة تريد لحقوق شعب فلسطين؛ التى نصت عليها قرارات الأمم المتحدة، أن تنفذ لكانت هذه اللجنة قد اجتمعت مرات ومرات طوال العشرين عاماً الماضية، ولكن أمريكا لم تكن تريد لحقوق شعب فلسطين أن تتحقق، ولكنها كانت تريد دائماً لإسرائيل أن تثبت وجودها، وأن تتوسع على حساب الأمة العربية، وعلى حساب شعب فلسطين، وعلى هذا لم تجتمع هذه اللجنة أبداً، ولكنها موجودة فقط فى سجلات الأمم المتحدة.
وعلينا أن نتذكر أيضاً ونحن نتكلم عن منطق العدو، وعن أسلوب العدو، وعن القوى التى تساند هذا العدو الذى يحاربنا ويحتل جزءاً من أراضينا؛ يجب أن نتذكر كيف استطاعت إسرائيل أن تستولى على المناطق المنزوعة السلاح التى تقرر أن تكون منزوعة السلاح فى اتفاقيات الهدنة سنة ١٩٤٩؛ وافقت إسرائيل ووافقت الدول العربية على بعض مناطق منزوعة السلاح فى سنة ٤٩، وكانت هذه الاتفاقية بموافقة وبوجود الأمم المتحدة، ولكن بعد ٤٩ وحتى سنة ١٩٥٥ استمرت إسرائيل تحتل فى هذه المناطق وتحولها من مناطق منزوعة السلاح إلى مناطق فيها قوات عسكرية؛ من أجل تهديد الدول العربية المحيطة بإسرائيل.
وإذا انتقلنا بعد هذا إلى سنة ١٩٥٦، تقول إسرائيل.. ويقول قادة إسرائيل إننا قمنا باستفزازهم سنة ٦٧ حينما أغلقنا خليج العقبة.. فلنترك مؤقتاً سنة ١٩٦٧، ولنقف قليلاً عند سنة ١٩٥٦.
قبل سنة ١٩٥٦ وبعد قيام الثورة، كنا قد جمدنا اعتمادات القوات المسلحة، وكان همنا بعد قيام الثورة أن نبنى بلدنا، وأن نحول بلدنا من بلد متأخر أو بلد متخلف إلى دولة متقدمة فى الصناعة وفى الزراعة، كنا نريد أن نكرس كل شىء من أجل البناء، كنا نريد أن نوجد عملاً لكل فرد من أبناء هذا الوطن.
وعلى هذا الأساس سرنا نعمل لنصفى الاستعمار البريطانى، ولنبنى الوطن الحر العزيز الكريم الذى نريد، ولكنا فجأة فى سنة ٥٥ فوجئنا بغارة إسرائيلية على مدينة غزة - فى فبراير سنة ١٩٥٥ - وكان الغرض من هذه الغارة أن تفرض علينا إسرائيل التسوية، وكان غرض هذه الغارة، والغارات التى تلت هذه الغارة.. نذكر جميعاً بعد سنة ٥٥، أو من أول فبراير سنة ١٩٥٥، بدأت الغارة على غزة، ثم استمرت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وعلى القوات المصرية المرابطة على الحدود. وكانت إسرائيل تعلن استراتيجيتها واضحة، ولم تكن تذكر أنها تريد أن تفرض التسوية التى تريدها، ومعنى فرض التسوية وفرض السلام، أو فرض التسوية بالسلاح؛ أى أن تفرض إسرائيل آراءها وما تريد على الأمة العربية جميعاً.
بعد هذا أردنا أن نحصل على السلاح من بريطانيا، وأردنا أن نحصل على السلاح من أمريكا، ولكن لم ترض بريطانيا أن تبيعنا السلاح الذى أردناه، ورفضت أمريكا - رغم وعودها فى هذه الأيام - أن تمدنا بأى نوع من أنواع السلاح الذى طلبناه؛ طلبنا دبابات؛ أعداد قليلة، وطلبنا طيارات؛ أعداد قليلة.. ولكن لم نتمكن فى سنة ٥٥، وكانت إسرائيل فى هذه الأيام تحصل على السلاح أساساً من بريطانيا ومن فرنسا، وكانت النتيجة الطبيعية لندافع عن نفسنا أن نعقد صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا فى سنة ١٩٥٥، وكان لابد لنا أن نقوى قواتنا المسلحة من أجل الدفاع عن بلادنا، وكان من الواضح فى سنة ٥٥ أن إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل يعملون على التخطيط وعلى الترتيب لكسر القوة العربية.
من أقوال زعماء إسرائيل، ومن مذكرات زعماء إسرائيل التى نشرت بعد ١٩٥٧؛ كانت إسرائيل تخطط دائماً للحرب الوقائية، وكانت خطة إسرائيل دائماً ألا تمكن الأمة العربية من أن تقوى وتصل إلى الدرجة التى تمكنها من أن تحافظ على إرادتها.
قال "ديان" فى مذكراته بعد حرب ٥٦: إنهم قرروا فى سنة ٥٥ أن يهاجمونا مهما كان الأمر، ولكن كانت هناك مشاكل كثيرة، وكانت هناك مشاكل صعبة، وكانوا يريدون أن يعتمدوا على إحدى الدول الكبرى؛ حتى تساندهم، وتمدهم بالسلاح حينما يقومون بهذا الهجوم، وكانوا يبحثون من الدول الكبرى تساعدهم وتساندهم. وبدءوا فعلاً مع فرنسا فى هذا الوقت، وكانت فرنسا تشعر أنها لابد أن تقوم بعمل ضدنا هنا فى مصر؛ لأن مصر فى هذه الأيام كانت تساعد الثورة الجزائرية، وكان الاستعمار يلفظ أنفاسه الأخيرة فى المنطقة، وأحس الاستعمار أن الوقت قد جاء لتخدمه الأداة التى كان قد صنعها؛ لتخدمه إسرائيل.
وفى سنة ٥٦ كانت هناك أحداث سياسية كبيرة؛ كنا نريد أن نبنى .. نبنى السد العالى حتى نحصل على فائض من المياه لنزيد الرقعة المزروعة فى بلادنا، كنا نريد أن نبنى السد العالى حتى نحصل على ١٠ مليارات كيلوات/ساعة من الكهربا؛ لنتمكن من تصنيع بلادنا، ونحول هذا الوطن من بلد متخلف إلى بلد متقدم، وقالت أمريكا وبريطانيا وكلنا نعلم - فى هذه الأيام - أنهم على استعداد لتمويل السد العالى، ولكن فجأة أعلنت أمريكا، كما أعلنت بريطانيا، كما أعلن البنك الدولى؛ سحب تمويل السد العالى.
وهنا بدأت الأحداث السياسية تتوالى؛ ففى سنة ٥٦ كان قرار تأميم قناة السويس من أجل تمويل السد العالى، ومن أجل تمويل بناء الصناعات.
وبعد هذا - أيها الإخوة - بدأ التآمر.. بدأ التآمر سنة ١٩٥٦.. بدأ التآمر؛ إنجلترا كان عندها ما يبرر العمل ضدنا.. إنجلترا قد تقول وتبرر للعالم أنها تدخلت فى سنة ٥٦، وقامت بالعدوان على مصر؛ لأن مصر أممت قناة السويس، وكانت لإنجلترا مصالح كبيرة فى قناة السويس، وكانت إنجلترا تملك الجزء الأكبر من أسهم قناة السويس، وفرنسا دخلت، وقد تقول فرنسا وتبرر أنها دخلت الحرب واعتدت علينا فى سنة ٥٦ بسبب مساندتنا لحرب التحرير الجزائرية.
أما إسرائيل فبماذا تبرر دخولها فى الحرب سنة ١٩٥٦؟
لقد كشفت كل هذه القصص الآن.. مافيش حاجة بقت سر، كل حاجة مكتوبة دلوقت فى الكتب، اتقال إن تمت اجتماعات سرية بين فرنسا وبين إسرائيل، حضر هذه الاجتماعات "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل، وحضر هذه الاجتماعات مندوب عن الحكومة البريطانية، وإن "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل طلب من فرنسا فى هذه الأيام أن تعمل له مظلة جوية فوق إسرائيل أثناء العدوان الإسرائيلى على مصر؛ حتى تحمى إسرائيل من أى عمل مضاد من القوات الجوية المصرية، وإن فرنسا تعهدت بأن تعطيه قوات جوية يدافع بها عن إسرائيل، وتعطيه أيضاً قطعاً بحرية لتدافع عن الشواطئ الإسرائيلية.
دخلت إسرائيل.. دخول إسرائيل فى هذه الحرب ما الذى كان يبرره؟ ليه دخلت إسرائيل هذه الحرب؟ إيه اللى حصل سنة ٥٦؟
لما دخلت إسرائيل الحرب أرسلنا الجيش إلى سينا فى سنة ١٩٥٦ لمواجهة العدوان، ووقفت القوات الإسرائيلية على الحدود أمام المقاومة فى أبوعجيلة والمناطق الأخرى، ولكن بعد ٣ أيام حينما بدأ العدوان الإنجليزى - الفرنسى على بلادنا، وبدأت الغارات الجوية؛ قررنا سحب القوات من سيناء، وسحبنا القوات من سيناء إلى غرب قنال السويس.
حينما انسحبنا من سيناء لنواجه القوات الإنجليزية والفرنسية التى بدأت العدوان علينا، وحينما دخل الجيش الإسرائيلى إلى سيناء - هذه البقعة الطاهرة من أرض وطننا - كان أول ما فعله "بن جوريون" - رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت هو إعلان ضم شبه جزيرة سيناء إلى إسرائيل، ولكن لم يتمكن "بن جوريون" أن يحافظ على هذا القرار، لقد خرجوا وانسحبوا من الأرض المحتلة، واضطروا للخروج، ولكنهم فى هذه الأيام كشفوا عن نواياهم؛ خرجوا لأن الحملة البريطانية - الفرنسية عجزت عن قهر إرادة الشعب المصرى، ولأن الإنذار السوفيتى خلق موقفاً دولياً خطيراً، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن قد استشيرت فى العملية، ووجدت نفسها على غير استعداد أمام مسئوليات قد تكون وخيمة العواقب.
خرجت إسرائيل وانسحبت إسرائيل فى سنة ٥٧، ولكن إسرائيل وقادة إسرائيل من يومها كانوا يستعدون لمعركة أخرى. من أقوال زعماء إسرائيل وقادة إسرائيل، ومذكرات إسرائيل المنشورة، والتى صدرت بعد سنة ٦٧؛ قالت: إنهم كانوا يريدون هذه المعركة فى المدة ما بين ٦٦ و٧٠، ليه؟ كانوا يريدون هذه المعركة قبل أن تستكمل مصر بناء قواتها المسلحة، قبل أن تدخل مصر فى مرحلة الانطلاق، قبل أن يتم بناء السد العالى، قبل أن تتم خطط التصنيع، قبل أن تتم خطط تطوير الصناعة، واستصلاح الأراضى الجديدة.. كانت إسرائيل تريد المعركة قبل أن نكون قد أتممنا ما نريد من أجل تقوية بنائنا الداخلى، وبنائنا الصناعى، وبنائنا العسكرى.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول إن ٥ يونيو والهجوم الإسرائيلى فى ٥ يونيو سنة ١٩٦٧ كان مؤامرة مرتبة، ماكانتش المسألة مسألة خليج العقبة، ولكن كان الهدف الأصلى الأساسى هو الهدف الذى لا يمنحه للعدو ولا يحققه له إلا القتل والخراب، إلا الصواريخ والنابالم والقنابل الموقوتة تحملها طائرات "الفانتوم" الأمريكية. قبل ٥ يونيو سنة ١٩٦٧ استطاعت إسرائيل أن تحصل من الولايات المتحدة الأمريكية على كل المعدات اللازمة للحرب الإلكترونية، كل المعدات التى استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتجها، استطاعت إسرائيل أن تحصل عليها، وأن تبقى هذا سراً لا يعرفه أحد.
وكان من الواضح أن هذه الأسرار التى تشملها الحرب الإلكترونية، وهى أساليب جديدة فى الحرب لا تعرفها الكثير من الدول، عدد قليل قوى من الدول - دولتين أو تلاتة بس - تستطيع أن تلم بأسرار معدات الحرب الإلكترونية، واستطاعت إسرائيل أن تحصل من أمريكا قبل ٥ يونيو على كل معدات الحرب الإلكترونية التى تساعدها؛ لا فى الدفاع فقط، ولكن فى الهجوم على الدول العربية.
إذن ٥ يونيو كان مؤامرة مرتبة، وكانت إسرائيل فى هذا تستعين بالأسلحة من الدول الغربية، وتستعين بالمعدات الإلكترونية من أمريكا.
الوقائع بين ١٤ مايو سنة ٦٧ و٨ يونيو سنة ٦٧ قد تختلف فيها التفسيرات، وقد تختلف فيها الاجتهادات، ولكن ما حدث بعد ٨ يونيو سنة ٦٧، يكشف حقيقة النوايا الإسرائيلية، ويبين بحقيقة قاطعة.. يبين بالصدق ولا يبين بالاجتهادات أو التفسيرات.
بعد ٨ يونيو كان هناك قرار فى الأمم المتحدة، فى مجلس الأمن، بوقف القتال والانسحاب، وتقدمت الدول الصديقة والدول الآسيوية - الإفريقية بهذا القرار، ولكن اعترضت أمريكا على الجزء الثانى من القرار، وصممت على أن يكون قرار مجلس الأمن بإيقاف القتال فقط، وأن يشطب منه كل شىء ينص على انسحاب القوات المعتدية إلى الأماكن التى كانت فيها قبل العدوان.
بعد كده كانت هناك قرارات ومشروعات فى الأمم المتحدة اختلفت فيها الآراء، ولكن كان هناك قرار مجلس الأمن، قرار نوفمبر سنة ١٩٦٧، وقد أعلنا نحن هنا فى مصر، ان احنا نقبل قرار مجلس الأمن سنة ١٩٦٧ الذى ينص على إقامة السلام، والذى ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية.
وقبلنا نحن قرار مجلس الأمن، ولكن على شرط أن ينفذ قرار مجلس الأمن بحذافيره، ينفذ من وجهة نظرنا، كان لنا شرطين اتنين:
أولاً: الانسحاب الكامل من جميع الأراضى العربية المحتلة.
والتانى: حقوق شعب فلسطين، أو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بالنسبة لشعب فلسطين.
قبلنا نحن قرار مجلس الأمن، ولكن ماذا حدث فى الجانب الآخر؟ ماذا حدث فى إسرائيل؟ هل قبلت إسرائيل قرار مجلس الأمن؟ تعهدنا نحن بتنفيذ قرار مجلس الأمن، ماذا حدث فى الجانب الآخر؟ هل تعهدت إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن؟ نحن قبلنا قرار مجلس الأمن، وتعهدنا بتنفيذ قرار مجلس الأمن، ولكن العدو الإسرائيلى رفض قرار مجلس الأمن، ورفضوا تنفيذ ما يحتويه قرار مجلس الأمن، اختلفوا حتى على ذكر كلمة الانسحاب.
فى الأسبوع الماضى رئيسة وزراء إسرائيل قالت: إنها لم تقبل بأى شكل من الأشكال أن تقول إن إسرائيل على استعداد للانسحاب من الأرض المحتلة، وقالت أيضاً رئيسة وزراء إسرائيل منذ أسابيع: إنها وإنهم ينكرون أن هناك شعباً اسمه شعب فلسطين!
كل التصرفات الإسرائيلية تنتج من المنطق القديم، يريدون اغتصاب الأرض.. يريدون قتل الناس.. عايزين الأرض بدون ناس؛ يا إما يموتوهم يا إما يطردوهم، وعايزين الأرض. بيقولوا إنهم دولة لا حدود لها، قال واحد من زعمائهم بعد سنة ٦٧: احنا كنا الجيل - "ديان" قال هذا الكلام - اللى عمل حدود سنة ٤٨. وكلم العساكر الإسرائيليين وقال لهم: أنتم الجيل اللى عمل حدود ٦٧، وحييجى الجيل القادم يجعل حدود إسرائيل فى أوضاعها الطبيعية. اتكلموا على إسرائيل الكبرى، ومع هذا يتحدثون عن السلام، والصحافة فى أكتر عدد من الصحف فى الدول الغريبة تردد ما تقوله إسرائيل، يا إما هناك إرهاب فكرى صهيونى، يا إما هناك أموال صهيونية، يا إما هنا أموال يهودية، يا إما هناك مصالح لهذه الصحف تردد ما تقوله إسرائيل.
إن إسرائيل تتحدث دائماً عن السلام، ولكن هم لما يتكلموا عن السلام، هل فعلاً تريد إسرائيل السلام؟! هل تصرفات إسرائيل هى تصرفات من يريد السلام؟! من الواضح لنا جميعاً أنهم حينما يتكلمون عن السلام إنما يخدعون العالم كله؛ لأنهم يعملون فقط من أجل التوسع.. من أجل اغتصاب الأرض.. من أجل قتل أصحاب الأرض.
يطلبون المفاوضات، ويقولون.. بيقولوا إنهم على استعداد للمفاوضات المباشرة ولكن قبل المفاوضات المباشرة مع العرب مش مستعدين يتكلموا على أى شىء ولا على أى نواحى. والغريب انهم يعرفوا أن ما من دولة تقبل أن تتفاوض مع عدو يقاتلها وتقاتله، بينما هو يحتل أراضيها.
مطلب المفاوضات المباشرة مجرد عمل للدعاية يمكن أن ينطلى على الرأى العام العالمى؛ وطبعاً هم بيقولوا ان احنا عايزين السلام وعايزين المفاوضات. كيف نذهب نحن إلى مائدة المفاوضات وهناك سيناء المحتلة والضفة الغربية المحتلة والقدس المحتلة وغزة المحتلة والجولان المحتلة؟! كل هذه الأرض أرض عربية احتلتها إسرائيل، واغتصبتها إسرائيل فى سنة ١٩٦٧.. كيف نذهب ونكون على مائدة المفاوضات على قدم المساواة؟
إننا حينما نذهب إلى هذه المفاوضات ونجلس على مائدة المفاوضات لن تكون هذه المائدة بالنسبة لنا مائدة مفاوضات، وإنما مائدة الاستسلام؛ لأن عدونا حينما يتكلم إنما يتكلم من منطق القوة، والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد هذا الكلام، وهى تعلم أنها حينما هوجمت من اليابان، وحينما هوجمت بيرل هاربر من اليابان وأغرق الأسطول الأمريكى كله فى المحيط الهادى، ودمر الجيش الأمريكى كله فى المحيط الهادى، وانسحبت أمريكا، رفضت أمريكا المفاوضات كلية، ولكنها استعدت حتى تستعيد الأرض، وطالبت اليابان بأن تنسحب من الأراضى التى احتلتها، ولم تقبل أن تتفاوض.
الأغرب من هذا بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لقادة إسرائيل لما يتكلموا على المفاوضات المباشرة، ويقولوا إنهم مستعدين يتكلموا مع العرب فى مفاوضات مباشرة، بيلغوا أى سبب يدعو إلى هذه المفاوضات، بيقولوا إنهم عايزين يتفاوضوا مع العرب على المستقبل وعلى الحدود، وعلى أساس أن تكون حدوداً آمنة ومعترفاً بها، ولكن بيقولوا القدس لم تعد مادة للتفاوض، ضموا القدس إلى إسرائيل، وبيقولوا إن المرتفعات السورية لم تعد مادة للتفاوض، وليست مادة للتفاوض، بيقولوا إن الخليل لم تعد مادة للتفاوض وليست قابلة للتفاوض، بيت لحم ليست قابلاً للتفاوض، قطاع غزة ليس قابلاً للتفاوض، ما الذى يبقى إذن للتفاوض حتى على فرض أن أحداً كان على استعداد لمجرد التفكير فيه مع العدو الإسرائيلى؟!
أيها الإخوة:
هل حدث من قبل أن طرفاً فرض على غيره من الأطراف فى الحرب أن يتفاوض معه بينما هو يحتل أرضه؟ ذلك حدث من قبل فى التاريخ فى حالة واحدة، الاستسلام بلا قيد ولا شرط، كما حدث لليابان وكما حدث لألمانيا الهتلرية؛ ذلك بالضبط ما تريده إسرائيل اعتماداً على وهم انتصارها العسكرى فى ٥ يونيو سنة ١٩٦٧، يريدون منا أن نستسلم بلا قيد ولا شرط.
أيها الإخوة:
إن الأمة العربية لن تخضع، ولن تستسلم بلا قيد ولا شرط، لقد ضربت ولكنها بقيت مرفوعة الرأس، تحاول أن تبنى قوتها للدفاع عن نفسها وعن حريتها وعن سلامها ضد القتل وضد الصواريخ والنابالم والقنابل الزمنية تحملها طائرات "الفانتوم" الأمريكية، وفوق كل ذلك فإن إخضاع الأمة العربية كلها؛ فرض الاستسلام بلا قيد ولا شرط عليها فوق طاقة إسرائيل، وحتى فوق طاقة من هم وراء إسرائيل.
إن ٥ يونيو كان صدمة؛ ولكن جماهير شعوب الأمة العربية أثبتت عملياً وصممت على الرفض، على رفض الهزيمة، ويجب - أيها الإخوة - أن نلح على الرفض.. إنها أثبتت عملياً؛ لكى نفرق الرفض الإرادى عن الرفض الانفعالى الذى يصدر عن العاطفة وحدها.
إن الأمة العربية حينما خرجت تعلن تصميمها على القتال كانت تعبر عملياً عن رفضها للهزيمة وعن استعدادها للتضحية، وعن استعدادها لتقديم دمائها وأرواحها فداء لكرامتها، وفداء لأرضها، وفداء لشرفها، وفداء لوطنها. إن الأمة العربية لن تستسلم ولن تخضع، ولن تستطيع إسرائيل أن تخضع الأمة العربية، ولن تستطيع أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - أن تخضع الأمة العربية؛ لأن هذا فوق طاقة إسرائيل، وفوق طاقة الولايات المتحدة الأمريكية.
أيها الإخوة:
إن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو سنة ١٩٦٧ هو أكثر ما يدينها أمامنا هنا، أمام الأمة العربية كلها، وأمام الرأى العام العالمى؛ لأن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو يكشف عن نواياها.
أيها الإخوة:
إن إسرائيل لا تريد السلام، وإنما إسرائيل تريد التوسع، وحينما تتكلم إسرائيل ويتكلم قادة إسرائيل عن السلام، ويقولون إنهم يريدون تخطيط حدود آمنة ومعترف بها يخدعون العالم، ما معنى حدود آمنة ومعترف بها؟ حينما يقولون أن لا حدود لهم، يريدون تخطيط حدود جديدة توفر لهم الأمن وتوفر لهم السلامة.. معنى هذا أن الحدود الجديدة لابد أن تكون قرب نهر الأردن، معنى هذا اغتصاب أجزاء كبيرة لا نهاية لها من الأرض العربية.
حينما يصرخ قادة إسرائيل ويتكلمون عن السلام ويضللون، بعد هذا يقولون ضرورات أمن إسرائيل.
إسرائيل لا تريد السلام، تريد أن تخدع العالم والرأى العام العالمى وهى تردد كلمة السلام، تريد أن تخدع العالم والرأى العام العالمى وهى تتكلم عن الحدود الآمنة والمعترف بها، وأنا أقول إن إسرائيل تريد التوسع؛ لأنهم يقولون إنهم لن يعودوا أبداً إلى الخطوط اللى كانوا عليها أو إلى الحدود التى كانوا عليها قبل ٥ يونيو سنة ١٩٦٧.
ماذا يعنى هذا؟ دا معناه إيه؟ معناه أن إسرائيل تريد أن تغتصب وتضم الأراضى العربية بالقوة، إسرائيل لا تريد السلام وإنما تريد التوسع. إننا نقول للعالم نحن نعمل من أجل السلام ومن أجل الحياة ومن أجل البناء، ولكن لا يمكن أن يكون هناك سلام وتوسع إسرائيلى فى نفس الوقت.
أيها الإخوة:
إن إسرائيل لا تطلب المفاوضات إلا تكئة وتعلة، ولكنها تريد أن تفرض علينا صك الاستسلام.. على الأمة العربية كلها، تريد منا أن نوقع ونعترف أن إسرائيل قد ضمت هذه الأجزاء الغالية من الأراضى العربية، ولا يوجد بين أبناء الأمة العربية من يقبل بأى حال من الأحوال أن يفرط فى بوصة أو شبر من الأراضى العربية؛ لأن هذه الأرض ليست ملكاً لأى فرد فى الأمة العربية، ولكنها ملك للأمة العربية كلها.
إن إسرائيل تريد التوسع ولا تريد السلام.. إنها تخدع الرأى العام العالمى. إن موقف إسرائيل بعد ٨ يونيو يفضحها ويدينها ويكشف عن نواياها.
حينما صدر قرار مجلس الأمن فى نوفمبر سنة ١٩٦٧ نص هذا القرار على أن يعين سكرتير عام الأمم المتحدة مندوب له يتصل بالأطراف المعنية.. كلكم عارفينه.. "يارنج".. وجا "يارنج".. وقعد شايل شنطته ويلف ١٨ شهراً بين الدول العربية وإسرائيل. إيه اللى حدث فى الـ ١٨ شهر؟ إسرائيل تتكلم عن السلام، تخدع العالم كله.. تخدع الرأى العام العالمى، وتعلم أن وراءها من يؤيدها، وراءها من يؤيدها فى أهدافها العدوانية.. وراءها من يؤيدها فى التوسع، وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تخدع أيضاً الرأى العام فى أمريكا.. ١٨ شهراً "يارنج" يلف فى الدول العربية كلها، ووضع لنا أسئلة عن جميع النقط الموجودة فى قرار مجلس الأمن. احنا جاوبنا على كل أسئلة "يارنج" الخاصة بقرار مجلس الأمن، قلنا إن احنا نقبل قرار مجلس الأمن، إن احنا نقبل تنفيذ كل ما جاء فى قرار مجلس الأمن، ونقبل تنفيذ كل ترتيبات السلام التى نص عليها قرار مجلس الأمن، ولكن على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضى المحتلة كما نص على هذا قرار مجلس الأمن، وعلى إسرائيل أن تنفذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب الفلسطينى كما نص على هذا قرار مجلس الأمن. ماذا كان موقف إسرائيل من "يارنج"؟ لم تجاوب إسرائيل أى إجابة صريحة على أسئلة "يارنج"، كان "يارنج" يديهم الأسئلة ويردوا عليه إنشاء.. مافيش أى كلام فى الرد يمت بأى صلة إلى السؤال. رفضت إسرائيل أن تذكر كلمة الانسحاب، ورفضت أن تشير إليها بأى حال من الأحوال، ولكن إسرائيل قالت إنها على استعداد أن تبحث فى إعادة توزيع قواتها.
طبعاً هذا إن دل على شىء فيدل على أن إسرائيل لا تريد الانسحاب، ولكن تريد التوسع.
هناك أيضاً موضوع آخر يدل على نوايا إسرائيل، ويدين إسرائيل، ويكشفها، حدث بعد ٨ يونيو أن كانت هناك اقتراحات من فرنسا على أساس قيام محادثات رباعية بين الدول الكبرى لبحث مشكلة الشرق الأوسط، ووافقنا نحن على هذه المحادثات.
وحينما اتصلت بنا فرنسا وافقنا على الفكرة، ولكن إسرائيل رفضت هذه الفكرة وقالت إنها لا تقبل أن يكون الحل إلا من الداخل، ما معنى هذا؟ معنى إسرائيل أنها تريد أن تفرض الأمر الواقع وتريد أن تفرض سيطرتها، وتريد أن تفرض على العرب الاستسلام، وتريد من العرب أن يقبلوا احتلالها وضمها للأراضى العربية.
بعد هذا كانت هناك محادثات ثنائية بين أمريكا والاتحاد السوفيتى خاصة بمشكلة الشرق الأوسط. نحن أعلنا ان احنا نقبل هذه المفاوضات، ولكن إسرائيل رفضت، وقامت بحملة كبيرة فى كل أنحاء العالم الغربى ضد هذه المفاوضات.
من هذا كله نستطيع أن نقول إننا حقيقة أثبتنا عملياً أننا نريد السلام، ولكن أمتنا فى نفس الوقت أثبتت عملياً أنها ترفض الاستسلام، ورفض الاستسلام مسئولية كبيرة، إذا أردنا السلام وفى نفس الوقت رفضنا الاستسلام.. فى مواجهة عدو كالعدو الإسرائيلى؛ بتاريخه الطويل وبمخططاته المعروفة، وبصماته المعروفة مع تأييد الولايات المتحدة الأمريكية له.. لإسرائيل.. فى كل أعمالها العدوانية.. وفى كل نواياها العدوانية، إذا رفضنا الاستسلام - مهما كنا نريد للسلام - فرفض الاستسلام يفرض علينا أن نقاوم، ويفرض علينا أن نصمد ويفرض علينا أن نناضل، يفرض علينا أن نقاتل؛ لأن رفض الاستسلام ليس كلاماً يقال ثم نترك العدو بعده يمرح بأمان على أراضينا.. رفض الاستسلام معناه أننا نستعد للتضحيات، وأننا نستعد للقتال، وأننا نستعد للبذل والعطاء؛ من أجل كرامتنا وحريتنا، ومن أجل كرامة الأمة العربية، وحرية الأمة العربية.
والآن - أيها الإخوة - هم بيتهمونا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار، كلنا نعلم أن قرار وقف إطلاق النار صدر من مجلس الأمن فى يونيو سنة ٦٧؛ يوم ٩ يونيو سنة ٦٧، والوضع الطبيعى، كما كانت تنص عليه اقتراحات الدول الآسيوية والإفريقية والاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية.. الوضع الطبيعى أن يكون وقف إطلاق النار مقروناً بفقرة تنص على انسحاب القوات إلى المواقع التى كانت فيها قبل القتال.
ولكن أمريكا صممت، ورفضت فى مجلس الأمن.. رفضت أن يشمل القرار أى شىء خاص بالانسحاب، وصدر القرار ناقصاً وفى يونيو سنة ١٩٦٧ صدر قرار مجلس الأمن اللى اتكلمنا عليه دلوقت، ونص على الانسحاب من الأراضى المحتلة، ونص على إقامة السلام، ودلوقت بيطالبونا بوقف إطلاق النار، بيتهمونا بخرق وقف إطلاق النار؛ إسرائيل - العدو الإسرائيلى.. وأمريكا؛ الولايات المتحدة الأمريكية - يتناسون أو ينسون قرار الانسحاب اللى صدر فى نوفمبر سنة ١٩٦٧، ويذكروا بس قرار وقف إطلاق النار اللى صدر فى يونيو سنة ١٩٦٧.
كيف يمكن أن يكون هناك وقف لإطلاق النار مع وجود أراض من وطننا ووطن الأمة العربية ترزح تحت احتلال يمارس الجريمة الجماعية علناً وعلى أوسع نطاق؟!
أيها الإخوة:
من الواضح أن أمريكا - الولايات المتحدة الأمريكية - أساءت للأمة العربية كلها بمساعدة إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً حتى يستمر الاحتلال؛ احتلال الأراضى العربية الذى قارب الآن ٣ سنوات. أمريكا بعد الاحتلال ادت إسرائيل ١٥٠ طيارة "فانتوم" و"سكاى هوك" ادوهم سنوياً ٣٥٠ مليون دولار إعانة، كيف يكون هناك وقف إطلاق النار والأرض العربية احتلالها الإسرائيلى قارب أن يمر عليه ٣ سنوات؟ كيف يمكن أن يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك تغيير لطبيعة الأرض المحتلة؟ الأرض العربية المحتلة؛ تغيير لطبيعة الأرض فى القدس.. تغيير لطبيعة الأرض فى الخليل.. تغيير لطبيعة الأرض فى غزة.
ولم يكن من المستطاع بدون مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، وإمداد أمريكا لإسرائيل بالطيارات والدبابات والمدافع والعربات المدرعة والأجهزة الإلكيترونية الحديثة.. لم يكن لإسرائيل أن تستطيع أن تستمر فى كبت القوى العربية المناضلة فى الأرض المحتلة، لم تكن إسرائيل بدون المساعدات الاقتصادية الأمريكية - ٣٥٠ مليون دولار سنوياً؛ اللى بيتلموا من السندات، واللى بياخدوها من التبرعات؛ زائد المساعدات الأمريكية، وقد يزيد عن ٣٥٠ مليون دولار سنوى - لم تكن إسرائيل تستطيع أن تستمر ٣ سنوات تقتل وتهدم البيوت، وتحتل الأراضى، وتسجن ١٥ ألف عربى فى فلسطين المحتلة، كيف يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك العقاب الجماعى؟ كلنا نعرف - واعترف "ديان" - إنهم بيقوموا بالعقاب الجماعى، بيهدوا البيوت جماعياً ويطردون العائلات منها، وعقاب الجيرة؛ الجيران إذا ما اعترفوش على الفدائيين وعلى الثوار بيعاقبوهم، ويهدوا لهم بيوتهم، بيهدوا بإيه؟ بالعربية النص جنزير الأمريكانى، بالمدافع الأمريكانية، بيضربوا المقاومة بالطيارات الأمريكية الصنع.. طيب كيف يكون هناك وقف إطلاق النار وهناك التعذيب؟ شهادة لجنة التحقيق الدولية اللى كانت موجودة فى القاهرة من يومين تلاتة؛ الشهادات اللى كانت قدامها تثبت للعالم كله ان إسرائيل تقوم بعمليات تعذيب للشعب العربى الفلسطينى؛ أكثر مما قام به "هتلر" ضد اليهود فى ألمانيا فى وقت الحرب العالمية التانية.. هذه اللجنة تابعة للأمم المتحدة.
أيها الإخوة:
كيف يكون هناك وقف لإطلاق النار وإسرائيل تعلن وقادة إسرائيل يعلنون أنه ليس هناك حدود رسمية لإسرائيل، وأن الحدود تبنى على مضى الزمن؟! خريطة السلام لإسرائيل وما تكشفه خريطة السلام؛ الخريطة التى قالوا عنها أخيراً، وتكلم عنها أحد وزراء إسرائيل وقال: إن إسرائيل بالنسبة لى هى التى قررها "هرتزل" منذ عشرات السنين؛ أى من النيل إلى الفرات، من فرع دمياط.. تدخل الشرقية ومناطق أخرى غرب القناة لغاية ما نوصل إلى العراق.. بتدخل سوريا، وبتدخل لبنان وبتدخل الأردن وبيدخل الجزء الشمالى من السعودية. منين وتنتهى فين حدود إسرائيل؟ هم بيقولوا مالهمش حدود. وازاى هيقدروا يحققوا هذا الطلب وبأى الوسائل وبأى الأساليب؟ كيف يمكن انهم يحققوا هذا إلا بالتخدير.. وقف إطلاق النار.. ثم فرض الأمر الواقع.. ثم القتل والتدمير.. ثم الحصول على سلاح من الولايات المتحدة الأمريكية.. ثم التوسع مرة أخرى.
تكلموا عن إسرائيل الكبرى، وتكلموا عن أشياء كثيرة.. كيف يمكن أن نستمر فى وقف إطلاق النار؟ وقف إطلاق النار معناه الاستسلام بالوقت.. بعنصر الزمن، نخلق أمر واقع جديد معادى لكل آمالنا فى الأمن والسلام والبناء والحرية، ولكن مع هذا هل العدو بعد يونيو ٦٧ التزم بقرار وقف إطلاق النار حين لم يكن فى استطاعتنا أن نرد على ضربات العدو؟ كلنا نعرف فى ٦٧ حصل إيه، سكان السويس حصل لهم إيه، سكان الإسماعيلية حصل لهم إيه، المصانع اللى فى السويس، معامل تكرير البترول، مصانع السماد؛ المصانع اللى موجودة فى الإسماعيلية، السكان اللى موجودين هناك. لم تلتزم إسرائيل أبداً بوقف إطلاق النار، ولكنها أرادت أن تستخدم النص مليون اللى بيسكنوا السويس والإسماعيلية والمنطقة بينهم كرهينة؛ بإيقاع الخسائر فيها تجبرنا على الاستسلام، ولكن استطاع أهالى السويس والإسماعيلية والشعب المصرى على قناة السويس أن يتحمل وأن يصمد، وحينما قررنا ألا نعطى هذا السلاح لإسرائيل.. سلاح إيقاع الخسائر بالسكان المدنيين.. قررنا تهجير نص مليون مواطن من هذه المنطقة، وتركنا المنطقة خالية إلا للقوات المسلحة، ماذا كان السبب فى هذا؟ كان السبب أن إسرائيل لم تلتزم بوقف إطلاق النار، وحينما بدأنا نرد على النار بالنار، وعلى القنابل بالقنابل، وعلى الضرب بالضرب؛ بدأ العدو يتكلم عن وقف إطلاق النار، حينما بدأ عملنا يكبر ضد العدو الإسرائيلى، سارع أصدقاؤه إليه بالطائرات؛ علشان يمكنوه من الاحتفاظ بالأراضى المحتلة، علشان يمكنوه من أن يفرض إرادته على الأمة العربية.
فى سنة ٦٩ بدأت إسرائيل تتسلم طائرات "الفانتوم"، طائرات "السكاى هوك"، وبدأت أمريكا تتكلم عن حفظ التوازن، ما هو التوازن فى منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لأمريكا؟ التوازن فى رأى أمريكا وقادة أمريكا هو التفوق الكاسح لإسرائيل، ومن حوالى ٤٠ يوم تكلم الرئيس الأمريكى عن طلب إسرائيل لصفقة الأسلحة ١٥٠ طيارة جديدة "فانتوم" و"سكاى هوك،" وقال إن إسرائيل متفوقة جداً على العرب وهى ليست فى حاجة إلى أى طائرات أخرى الآن، ولكن إذا اختل التوازن الحالى فسنعطى إسرائيل ما طلبته، ولن نسمح بأن يتأثر التفوق الإسرائيلى، وبعدين قال: إن أمريكا قررت فى الوقت الحالى إنها تدى إسرائيل ١٠٠ مليون دولار مساعدة اقتصادية.
إذن التوازن فى رأى الولايات المتحدة الأمريكية هو الاحتفاظ بالتفوق الإسرائيلى الكاسح، إذن التوازن هو تمكين إسرائيل من الاستمرار فى احتلال الأراضى العربية، إذن التوازن فى رأى السياسة الأمريكية هو تمكين إسرائيل من أن تبقى هذا الشعب العربى، الموجود فى الضفة الغربية وفى غزة وفى الجولان وفى سيناء، تحت ربقة الاستعمار الإسرائيلى وتحت ربقة العنصرية الإسرائيلية، إذن التوازن فى رأى السياسة الأمريكية أن تبقى إسرائيل معتقلة ١٥ ألف شاب عربى فلسطينى! أن تقتل إسرائيل الفلسطينيين بالليل والنهار تحت اسم مقاومة المقاومة الفلسطينية أو مقاومة الإرهاب. إذن التوازن بالنسبة للسياسة الأمريكية - سياسة الولايات المتحدة الأمريكية - هو عرقلة أى مقدرة هجوم مصرى لاستعادة الأرض المصرية التى احتلتها إسرائيل سنة ١٩٦٧، هجوم لا يستهدف العدوان ولكن يستهدف التحرير.. هجوم لا يقصد التدمير ولكن يقصد التطهير.
التوازن فى رأى الولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر إسرائيل فى ضربنا فى العمق؛ ضرب مصانعنا، ضرب مدارسنا، ضرب المدنيين، ضرب منشآتنا الاقتصادية، إسرائيل أخذت "الفانتوم" وأخذت "السكاى هوك" فى سنة ٦٩، ولازالت لغاية دلوقت كل شهر بتستلم ٤ طيارات "فانتوم". بالمقدرة الجوية الجديدة التى أعطتها أمريكا لإسرائيل فى سنة ٦٩ أصبح العدو الإسرائيلى فى مقدوره أن ينفذ بالعمق؛ لكى يضرب أهدافاً بعيدة، ويرغمنا على بعثرة قواتنا، ضربوا المدنيين وقتلوا العمال، ضربوا المدارس.. قتلوا الأطفال، واستخدموا فى كل هذا الطائرات "الفانتوم" الأمريكية التى استلموها فى سنة ١٩٦٩.
كانت التصريحات والتهديدات من قادة إسرائيل أنهم سيضربون فى كل مكان فى مصر؛ حتى تخضع مصر لإرادتهم وتقبل شروطهم، بل قال أحد قادة إسرائيل - قال كده بالحرف الواحد - إنهم هيهدوا مصر كلها ومش هيخلوا فيها مبنى قائم.. طبعاً كان بيقول هذا الكلام وهو يشعر ان وراه الولايات المتحدة الأمريكية تديله الطيارات "الفانتوم" قاذفة القنابل، تدى له الطيارين، بتدى له الفنيين، بتدى له عمال الصيانة تحت الجمع بين الجنسية الأمريكية والجنسية الإسرائيلية، وفى نفس الوقت بتدى له قروض طويلة الأجل؛ حتى لا يدفع أى ثمن فى الحصول على هذه الأسلحة. طبعاً أما بيشوفوا دا بيقولوا ويصرحوا إنهم... قالوا وصرحوا سنة ٦٧ و٦٨ و٦٩ أن مصر إذا ما قبلتش شروطهم حيهدوها، حيهدوا مش حيخلوا فيها أى منشأة اقتصادية، وحيضربوها ويدمروها، وانهم يعتمدون فى هذا على مقدرتهم الجوية. طبعاً كل هذا حتى نشعر بالخوف والرعب، ونخضع لإرادتهم ونقبل شروطهم، وأنا كنت أعلم - أيها الإخوة - أنكم تقبلون التضحيات الغالية، ولكن لا يوجد بينكم جميعاً من يرضى بالخضوع والاستسلام.
يوم ٢ فبراير الماضى بلغتنا أمريكا.. ممثل أمريكا الموجود هنا فى القاهرة بلغنا بمذكرة رسمية الآتى: قال إن إسرائيل الآن تقوم بغارات عميقة فى داخل مصر، وان أمريكا تشعر بالقلق بالنسبة لهذه الغارات العميقة، وتشعر بالأسف على الضحايا اللى بيسقطوا نتيجة الغارات الإسرائيلية العميقة، وعلى هذا فهى تنصحنا بأن نعلن قبولنا فى الحال لوقف إطلاق النار، وإذا لم نقبل وقف إطلاق النار فإن الغارات الإسرائيلية فى عمق البلاد ستستمر بصورة أكبر وستزداد.. والغارات الإسرائيلية ستزداد. وكانوا يعتقدون أن هذا سيخيفنا، أو سيجعلنا نتردد ونقبل أن نخضع أو نستسلم.
قلنا - أيها الإخوة - إننا نوافق على وقف إطلاق النار إذا أعلنت إسرائيل - وضمن هذا مجلس الأمن - موعد الانسحاب للقوات الإسرائيلية المعتدية من الأراضى العربية المحتلة كلها، مش من سينا بس؛ من سينا ومن غزة ومن الجولان ومن الضفة الغربية ومن القدس.. هذا هو السبيل الوحيد حتى نقبل إيقاف إطلاق النار.
أيها الإخوة:
مرينا بأو