أرحب بكم فى مجال المسئولية الكبرى فى النضال الوطنى المعاصر، وأرجو لهذه اللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة توفيقاً فى مهمتها يتناسب مع جسامة هذه المهمة، ومع الضرورة القصوى لإنجازها.
ولدى ملاحظات فى البداية أرى أن أطرحها لكى ندخل بعد ذلك صميم الموضوع:
الملاحظة الأولى: أن هذه اللجنة كان يجب فى الحقيقة أن تبدأ أعمالها منذ وقت طويل، لكن تشكيلها تأخر لعوامل شتى، وان كان يجب أن أعترف أن توقيت قيامها وبدء ممارستها لعملها جاء فى أنسب الأوقات تماماً؛ لأنه جاء فى وقت تجاوزت فيه الأمور حدود تصور المعركة أملاً، أو الاستعداد لها مسبقاً؛ خصوصاً بعد ظروف يونيو ١٩٦٧ التى لا أرى حاجة بى إلى العودة إليها.
جاء توقيت قيام اللجنة وبدء ممارستها لعملها فى أنسب الأوقات فعلاً، بينما المعركة دائرة.. لم تبلغ ذروتها بعد، ولكن خط وقف إطلاق النار قد سقط تماماً، وللإنصاف فإن هذا الخط لم يكن قائماً أبداً لأن العدو لم يقبل به، وكان من جانبه مصراً على مواصلة إطلاق النار، وكان ينتهز فرصة ظروفنا بعد النكسة ليجعل إطلاق النار من جانب واحد، والدليل الحى على ذلك هو ما شهدته مدن القناة التى تحملت عذاباً ملحمياً لا يستطيع أن يلم بأبعاده إلا من شهد على الطبيعة آثاره المدمرة.
والملاحظة الثانية: إننى ترددت قبل حضور اجتماع هذه اللجنة، ومع رغبتى الشديدة فى لقاء مثل هذه المجموعة الممتازة من المواطنين، فلقد كان رأيى أن تبدءوا عملكم بقوة الاندفاع المختزنة لديكم من إحساسكم بظروف الوطن ومن حياتكم فى وسط مواطنيه. لم أكن أريد أن يكون هناك تحديد مسبق لما يجب أن تقوموا به، ولا كنت أريد أن يوضع بقصد أو بغير قصد إطار على عملكم؛ يكون من شأنه أن يعوق أو يصد عن حركة يخطر لكم القيام بها، وتتصورون وجود محظور عليها.
وعلى أى حال، فإن هذه النقطة بالذات كانت بين دوافعى فى النهاية حين غلبت قبول دعوتكم إلى هنا على كل تردد قد أكون أحسست به، وسوف أشرح ذلك حينما ننتقل إلى صميم الموضوع..
أيها الإخوة:
إن صميم الموضوع لا يحتاج منا إلى بحث كبير؛ لأن حقائقه العظمى واضحة أمامنا.. مرئية كضوء الشمس؛ صميم الموضوع أن شعبنا المصرى وأمتنا العربية كلاهما يخوض الآن معركة حياته ومستقبله.. معركة استقلاله وحريته.. معركة حقه فى التطور السياسى والاجتماعى، وهو يخوض هذه المعركة فى مواجهة قوى شرسة وضارية، تكره الحياة والمستقبل والاستقلال والحرية، وآمال التطور السياسى والاجتماعى.
وشعبنا المصرى.. وأمتنا العربية كلاهما ليس لديه بديل عن قبول المعركة، فهذه المعركة فرضت عليها فرضاً، ولم يكن غريباً أن جاءت هذه المعركة سنة ١٩٦٧ وإنما الغريب أن هذه المعركة لم تفرض قبل ذلك عليهما.
وشعبنا المصرى وأمتنا العربية كلاهما مطالب بالنصر فى هذه المعركة، ليس لأن النصر هو ثأرنا لما حدث فى سنة ١٩٦٧؛ ولكن لأن النصر هو بابنا الوحيد إلى كل ما أسلفت من القيم الغالية.. قيم الحياة والمستقبل، والاستقلال والحرية، والتطور السياسى والاجتماعى.
هذه هى صورة المعركة التى نخوضها الآن بكل بساطة وبكل أمانة فى نفس الوقت.
نحن لا نقاتل لنغزو؛ ولكن نقاتل لنحرر.. ونحن لا نقاتل لنتوسع؛ ولكن نقاتل لنحمى.. ونحن لا نقاتل من أجل صنع حدود جديدة لأوطاننا؛ ولكن نقاتل لأن حدود أوطاننا - وهى أقدم حدود عرفتها الإنسانية وعرفها التاريخ - تتعرض الآن لمن يريد أن يستبيحها، وأن يجتاح كل تراثنا عليها وكل آمالنا.. ونحن لا نقاتل للإبادة؛ ولكن نقاتل حتى لا نتعرض للإبادة.
ليس هناك على امتداد الكرة الأرضية.. ولا على طول حياة الجنس البشرى فيها قتال أكثر عدالة وأكثر مشروعية من هذا القتال، وفوق ذلك فهو قتال لم نبدأه وإنما فرض علينا، وليس علينا - كما أنه ليس أمامنا - إلا أن نقف كما تقف وكما وقفت كل الشعوب الحرة قتالاً واستبسالاً حتى النصر.
لكننا - أيها الإخوة - نخطئ لو تصورنا أننا نواجه إسرائيل وحدها؛ لأن وراء إسرائيل ما هو أكبر كثيراً من إسرائيل، والدليل على ذلك أيضاً أمام عيوننا؛ فإن المخطط الذى نواجهه أوسع من مقدرة اثنين ونصف مليون إسرائيلى؛ بل إنه أوسع من حركة الصهيونية العالمية ودعواها ومواردها؛ وإنما هذا المخطط - كما يتضح لنا من اتساع مداه - يحظى بتأييد نظام السيطرة العالمية لقوى الاستعمار.
وفى الحقيقة، فإن ما نواجهه مباشرة فى ميدان القتال أى إسرائيل، وما يسند إسرائيل مباشرة أى حركة الصهيونية العالمية؛ إنما هو المظهر والأداة لتنفيذ مخطط نظام السيطرة الاستعمارية العالمية.
إن متابعة وقائع سنة ١٩٦٧ تكشف ذلك بجلاء، ومتابعة ما تلا وقائع سنة ١٩٦٧ وحتى الآن - خصوصاً ما يبدو من تصرفات السياسة الأمريكية - يكشف ذلك أيضاً بجلاء؛ إن الولايات المتحدة الأمريكية ميعت قضية العدوان علينا سنة ١٩٦٧ فى متاهات المشروعات والصيغ؛ مما أدى بالأمم المتحدة إلى أزمة الوقوع فى تناقض بين قرار وقف إطلاق النار، وفى نفس الوقت العجز عن إصدار قرار مواز له بضرورة الانسحاب، ثم إن الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك كانت هى الطرف الذى دخل أمامنا فى سلم التصاعد العسكرى؛ كلما أتممنا فى استعدادنا مرحلة كلما قاموا هم بمد إسرائيل بما يمكنها من مواجهة استعدادنا، بل إنهم يقصدون إلى أبعد من ذلك فيما تشهد به تصريحاتهم، إنهم يريدون - كما يقولون - أن يحتفظوا لها بالتفوق العسكرى علينا.
وإمداد إسرائيل بطائرات "الفانتوم" الأمريكية، ونوع هذه الطائرات، وتوقيت قرار تسليمها لإسرائيل، ومواعيد التسليم؛ كلها أدلة قاطعة لا تبقى لأحد فرصة للاجتهاد.
من ذلك كله نستخلص حقائق أساسية:
١- أننا فى وسط معركة بالنسبة لنا حاسمة.
٢- أنه لا بديل لنا عن خوض هذه المعركة كضرورة حياة ومستقبل.
٣- أنه لا سبيل أمامنا فى هذه المعركة غير أن ننتصر بما يمنع العدو من تحقيق أهدافه.
٤- أن المعركة عنيفة؛ لأن مدى الصراع فيها واسع.
٥- أن المعركة طويلة؛ لأن القوى التى تخوضها ضدنا تملك وسائل الاستمرار ولن تيأس بسرعة.
أيها الإخوة:
على أرضية هذه الحقائق الأساسية يجىء دوركم ويجىء فى وقته؛ ذلك لأن المعركة ليست جبهة القتال، وإنما المعركة هى الوطن بأسره وهى الأمة من المحيط إلى الخليج.
ولقد اجتزنا مرحلة مهمة فى هذه المعركة، ونحن نعتقد أن مجرد وقوفنا برغم كل أنواع الضغوط التى وجهت إلينا؛ عسكرية وسياسية واقتصادية ونفسية، هى خطوات أكيدة على طريق النصر.
ولكننا نقف الآن على أبواب مرحلة جديدة نستكمل بها الطريق إلى النصر، وهذه المرحلة الجديدة سوف تكون أصعب المراحل، وأشق المراحل، وأحفلها بأسباب التضحية والتحمل والاستعداد بقبول مخاطر بغير حدود.
وواجبكم - أيها الإخوة - أن تبذلوا كل ما تستطيعون من الجهد للمعاونة على مواجهة هذه المرحلة الجديدة التى يجب أن تخوضها جماهير الشعب كله، الرجال والنساء وحتى الأطفال.
كل من فى هذا الوطن يجب أن يتحول من الآن إلى طاقة قتال.
ولست أريد أن أستفيض فى شرح الطريقة التى يتعين عليكم بها أن تنهضوا بهذه المسئولية - وذلك ما أشرت إليه سابقاً - وإنما أريدكم أن تعملوا فكركم، وأن تتقدموا لما تحملتم أمانته بكل ما تستطيعون.
وإنى لأضع وراء هذه اللجنة، ووراء عملها، كل ما أستطيع كمواطن، وكل ما لدى من سلطات كمسئول، ولقد كان قرارى بتعيين أحد الوزراء أميناً لهذه اللجنة هو تسهيل الاتصال بى وبالوزراء، كذلك فإن الوزير الذى كلف بهذه المسئولية يتصل عمله أكثر ما يتصل بالمواطنين والمعركة.
إن القوات المسلحة على الجبهة تبذل جهداً هائلاً، وقوى الإنتاج فى هذا الوطن، وبالذات فى الصناعة والزراعة والاقتصاد، تكفلت بإعطاء الوقود المادى لمطالب الصمود.
وجماهير الشعب كانت دائماً - وما تزال منذ يومى ٩ و١٠ يونيو - هى الطاقة الهائلة وراء كل شىء تم تحقيقه أو يجرى تحقيقه، ولكن الوقت قد حان لشىء من توزيع واجبات المعركة توزيعاً محدداً ومخططاً، وفى هذا تتصل مسئوليتكم بمسئوليات غيرها فى هذا الوطن تحمل رسالة المعركة بكل ما تنطوى عليه.
أيها الإخوة:
قد تتوقعون منى وقد يتوقع منى غيركم أن أشير إلى العمليات التى تجرى ضد المواطنين بواسطة العدو وبواسطة الذين زودوه بأدوات الإرهاب، وأنا أعرف أن هذا الموضوع فى أذهانكم، وفى أذهان كل مواطنينا داخل الوطن المصرى وعلى امتداد أرض الأمة العربية، ولكنى لن أفيض فى هذا الحديث.
إننا نقبل مشيئة الله فيما نمتحن به من الآلام، ولكننا نثق ثقة كاملة فى مشيئة العدل الإلهى، ونؤمن إيماناً لا يتزعزع فى أننا سنكون يد هذه المشيئة فى العدل الإلهى حينما تجىء اللحظة المناسبة، سوف تجىء اللحظة التى نرد فيها قائلين بيقين الصادقين: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". (١).
أيها الإخوة:
فلتحملوا مسئولياتكم، وليحمل كل مواطن منا مسئوليته، ولننطلق إلى حيث لا خوف ولا جزع.. إلى حيث لا تردد ولا وهن.. إلى حيث نصر الله للمجاهدين الصابرين الأقوياء القادرين على حمل أمانة مشيئة العدل الإلهى.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الآية 17، سورة الأنفال.
ولدى ملاحظات فى البداية أرى أن أطرحها لكى ندخل بعد ذلك صميم الموضوع:
الملاحظة الأولى: أن هذه اللجنة كان يجب فى الحقيقة أن تبدأ أعمالها منذ وقت طويل، لكن تشكيلها تأخر لعوامل شتى، وان كان يجب أن أعترف أن توقيت قيامها وبدء ممارستها لعملها جاء فى أنسب الأوقات تماماً؛ لأنه جاء فى وقت تجاوزت فيه الأمور حدود تصور المعركة أملاً، أو الاستعداد لها مسبقاً؛ خصوصاً بعد ظروف يونيو ١٩٦٧ التى لا أرى حاجة بى إلى العودة إليها.
جاء توقيت قيام اللجنة وبدء ممارستها لعملها فى أنسب الأوقات فعلاً، بينما المعركة دائرة.. لم تبلغ ذروتها بعد، ولكن خط وقف إطلاق النار قد سقط تماماً، وللإنصاف فإن هذا الخط لم يكن قائماً أبداً لأن العدو لم يقبل به، وكان من جانبه مصراً على مواصلة إطلاق النار، وكان ينتهز فرصة ظروفنا بعد النكسة ليجعل إطلاق النار من جانب واحد، والدليل الحى على ذلك هو ما شهدته مدن القناة التى تحملت عذاباً ملحمياً لا يستطيع أن يلم بأبعاده إلا من شهد على الطبيعة آثاره المدمرة.
والملاحظة الثانية: إننى ترددت قبل حضور اجتماع هذه اللجنة، ومع رغبتى الشديدة فى لقاء مثل هذه المجموعة الممتازة من المواطنين، فلقد كان رأيى أن تبدءوا عملكم بقوة الاندفاع المختزنة لديكم من إحساسكم بظروف الوطن ومن حياتكم فى وسط مواطنيه. لم أكن أريد أن يكون هناك تحديد مسبق لما يجب أن تقوموا به، ولا كنت أريد أن يوضع بقصد أو بغير قصد إطار على عملكم؛ يكون من شأنه أن يعوق أو يصد عن حركة يخطر لكم القيام بها، وتتصورون وجود محظور عليها.
وعلى أى حال، فإن هذه النقطة بالذات كانت بين دوافعى فى النهاية حين غلبت قبول دعوتكم إلى هنا على كل تردد قد أكون أحسست به، وسوف أشرح ذلك حينما ننتقل إلى صميم الموضوع..
أيها الإخوة:
إن صميم الموضوع لا يحتاج منا إلى بحث كبير؛ لأن حقائقه العظمى واضحة أمامنا.. مرئية كضوء الشمس؛ صميم الموضوع أن شعبنا المصرى وأمتنا العربية كلاهما يخوض الآن معركة حياته ومستقبله.. معركة استقلاله وحريته.. معركة حقه فى التطور السياسى والاجتماعى، وهو يخوض هذه المعركة فى مواجهة قوى شرسة وضارية، تكره الحياة والمستقبل والاستقلال والحرية، وآمال التطور السياسى والاجتماعى.
وشعبنا المصرى.. وأمتنا العربية كلاهما ليس لديه بديل عن قبول المعركة، فهذه المعركة فرضت عليها فرضاً، ولم يكن غريباً أن جاءت هذه المعركة سنة ١٩٦٧ وإنما الغريب أن هذه المعركة لم تفرض قبل ذلك عليهما.
وشعبنا المصرى وأمتنا العربية كلاهما مطالب بالنصر فى هذه المعركة، ليس لأن النصر هو ثأرنا لما حدث فى سنة ١٩٦٧؛ ولكن لأن النصر هو بابنا الوحيد إلى كل ما أسلفت من القيم الغالية.. قيم الحياة والمستقبل، والاستقلال والحرية، والتطور السياسى والاجتماعى.
هذه هى صورة المعركة التى نخوضها الآن بكل بساطة وبكل أمانة فى نفس الوقت.
نحن لا نقاتل لنغزو؛ ولكن نقاتل لنحرر.. ونحن لا نقاتل لنتوسع؛ ولكن نقاتل لنحمى.. ونحن لا نقاتل من أجل صنع حدود جديدة لأوطاننا؛ ولكن نقاتل لأن حدود أوطاننا - وهى أقدم حدود عرفتها الإنسانية وعرفها التاريخ - تتعرض الآن لمن يريد أن يستبيحها، وأن يجتاح كل تراثنا عليها وكل آمالنا.. ونحن لا نقاتل للإبادة؛ ولكن نقاتل حتى لا نتعرض للإبادة.
ليس هناك على امتداد الكرة الأرضية.. ولا على طول حياة الجنس البشرى فيها قتال أكثر عدالة وأكثر مشروعية من هذا القتال، وفوق ذلك فهو قتال لم نبدأه وإنما فرض علينا، وليس علينا - كما أنه ليس أمامنا - إلا أن نقف كما تقف وكما وقفت كل الشعوب الحرة قتالاً واستبسالاً حتى النصر.
لكننا - أيها الإخوة - نخطئ لو تصورنا أننا نواجه إسرائيل وحدها؛ لأن وراء إسرائيل ما هو أكبر كثيراً من إسرائيل، والدليل على ذلك أيضاً أمام عيوننا؛ فإن المخطط الذى نواجهه أوسع من مقدرة اثنين ونصف مليون إسرائيلى؛ بل إنه أوسع من حركة الصهيونية العالمية ودعواها ومواردها؛ وإنما هذا المخطط - كما يتضح لنا من اتساع مداه - يحظى بتأييد نظام السيطرة العالمية لقوى الاستعمار.
وفى الحقيقة، فإن ما نواجهه مباشرة فى ميدان القتال أى إسرائيل، وما يسند إسرائيل مباشرة أى حركة الصهيونية العالمية؛ إنما هو المظهر والأداة لتنفيذ مخطط نظام السيطرة الاستعمارية العالمية.
إن متابعة وقائع سنة ١٩٦٧ تكشف ذلك بجلاء، ومتابعة ما تلا وقائع سنة ١٩٦٧ وحتى الآن - خصوصاً ما يبدو من تصرفات السياسة الأمريكية - يكشف ذلك أيضاً بجلاء؛ إن الولايات المتحدة الأمريكية ميعت قضية العدوان علينا سنة ١٩٦٧ فى متاهات المشروعات والصيغ؛ مما أدى بالأمم المتحدة إلى أزمة الوقوع فى تناقض بين قرار وقف إطلاق النار، وفى نفس الوقت العجز عن إصدار قرار مواز له بضرورة الانسحاب، ثم إن الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك كانت هى الطرف الذى دخل أمامنا فى سلم التصاعد العسكرى؛ كلما أتممنا فى استعدادنا مرحلة كلما قاموا هم بمد إسرائيل بما يمكنها من مواجهة استعدادنا، بل إنهم يقصدون إلى أبعد من ذلك فيما تشهد به تصريحاتهم، إنهم يريدون - كما يقولون - أن يحتفظوا لها بالتفوق العسكرى علينا.
وإمداد إسرائيل بطائرات "الفانتوم" الأمريكية، ونوع هذه الطائرات، وتوقيت قرار تسليمها لإسرائيل، ومواعيد التسليم؛ كلها أدلة قاطعة لا تبقى لأحد فرصة للاجتهاد.
من ذلك كله نستخلص حقائق أساسية:
١- أننا فى وسط معركة بالنسبة لنا حاسمة.
٢- أنه لا بديل لنا عن خوض هذه المعركة كضرورة حياة ومستقبل.
٣- أنه لا سبيل أمامنا فى هذه المعركة غير أن ننتصر بما يمنع العدو من تحقيق أهدافه.
٤- أن المعركة عنيفة؛ لأن مدى الصراع فيها واسع.
٥- أن المعركة طويلة؛ لأن القوى التى تخوضها ضدنا تملك وسائل الاستمرار ولن تيأس بسرعة.
أيها الإخوة:
على أرضية هذه الحقائق الأساسية يجىء دوركم ويجىء فى وقته؛ ذلك لأن المعركة ليست جبهة القتال، وإنما المعركة هى الوطن بأسره وهى الأمة من المحيط إلى الخليج.
ولقد اجتزنا مرحلة مهمة فى هذه المعركة، ونحن نعتقد أن مجرد وقوفنا برغم كل أنواع الضغوط التى وجهت إلينا؛ عسكرية وسياسية واقتصادية ونفسية، هى خطوات أكيدة على طريق النصر.
ولكننا نقف الآن على أبواب مرحلة جديدة نستكمل بها الطريق إلى النصر، وهذه المرحلة الجديدة سوف تكون أصعب المراحل، وأشق المراحل، وأحفلها بأسباب التضحية والتحمل والاستعداد بقبول مخاطر بغير حدود.
وواجبكم - أيها الإخوة - أن تبذلوا كل ما تستطيعون من الجهد للمعاونة على مواجهة هذه المرحلة الجديدة التى يجب أن تخوضها جماهير الشعب كله، الرجال والنساء وحتى الأطفال.
كل من فى هذا الوطن يجب أن يتحول من الآن إلى طاقة قتال.
ولست أريد أن أستفيض فى شرح الطريقة التى يتعين عليكم بها أن تنهضوا بهذه المسئولية - وذلك ما أشرت إليه سابقاً - وإنما أريدكم أن تعملوا فكركم، وأن تتقدموا لما تحملتم أمانته بكل ما تستطيعون.
وإنى لأضع وراء هذه اللجنة، ووراء عملها، كل ما أستطيع كمواطن، وكل ما لدى من سلطات كمسئول، ولقد كان قرارى بتعيين أحد الوزراء أميناً لهذه اللجنة هو تسهيل الاتصال بى وبالوزراء، كذلك فإن الوزير الذى كلف بهذه المسئولية يتصل عمله أكثر ما يتصل بالمواطنين والمعركة.
إن القوات المسلحة على الجبهة تبذل جهداً هائلاً، وقوى الإنتاج فى هذا الوطن، وبالذات فى الصناعة والزراعة والاقتصاد، تكفلت بإعطاء الوقود المادى لمطالب الصمود.
وجماهير الشعب كانت دائماً - وما تزال منذ يومى ٩ و١٠ يونيو - هى الطاقة الهائلة وراء كل شىء تم تحقيقه أو يجرى تحقيقه، ولكن الوقت قد حان لشىء من توزيع واجبات المعركة توزيعاً محدداً ومخططاً، وفى هذا تتصل مسئوليتكم بمسئوليات غيرها فى هذا الوطن تحمل رسالة المعركة بكل ما تنطوى عليه.
أيها الإخوة:
قد تتوقعون منى وقد يتوقع منى غيركم أن أشير إلى العمليات التى تجرى ضد المواطنين بواسطة العدو وبواسطة الذين زودوه بأدوات الإرهاب، وأنا أعرف أن هذا الموضوع فى أذهانكم، وفى أذهان كل مواطنينا داخل الوطن المصرى وعلى امتداد أرض الأمة العربية، ولكنى لن أفيض فى هذا الحديث.
إننا نقبل مشيئة الله فيما نمتحن به من الآلام، ولكننا نثق ثقة كاملة فى مشيئة العدل الإلهى، ونؤمن إيماناً لا يتزعزع فى أننا سنكون يد هذه المشيئة فى العدل الإلهى حينما تجىء اللحظة المناسبة، سوف تجىء اللحظة التى نرد فيها قائلين بيقين الصادقين: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". (١).
أيها الإخوة:
فلتحملوا مسئولياتكم، وليحمل كل مواطن منا مسئوليته، ولننطلق إلى حيث لا خوف ولا جزع.. إلى حيث لا تردد ولا وهن.. إلى حيث نصر الله للمجاهدين الصابرين الأقوياء القادرين على حمل أمانة مشيئة العدل الإلهى.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الآية 17، سورة الأنفال.